تحل في 26 نوفمبر الحالي الذكري السنوية الثانية لوفاة السياسي والمفكر الكبير د. ميلاد حنا الذي حفر اسمه في التاريخ المصري بأحرف من نور مدافعا عن فقراء هذا الوطن من خلال الدعوة لتوفير السكن المنخفض التكاليف "كتاب أريد مسكنا" وداعيا للمواطنة "نعم أقباط لكن مصريين" وفيه يسرد مواقف عديدة تؤكد الدور الوطني للأقباط في مصر رافضا أن يعبر البطريرك عن الأقباط سياسيا. وكان من المؤمنين بحق الاختلاف "كتاب قبول الآخر. فكر واقتناع وممارسة" الذي نال عنه جائزة سيمون بوليفار من اليونسكو وواعيا للتاريخ المصري محددا "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية" وفيه يحدد أعمدة الشخصية المصرية باعتبار انتماءات تاريخية أربعة هي: الانتماء للحضارة المصرية القديمة وللعصر اليوناني الروماني والعصر القبطي والعصر الإسلامي وانتماءات جغرافية ثلاث هي: انتماء مصر العربي وللبحر المتوسط ولإفريقيا. في هذا الكتاب "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية" يؤكد ميلاد حنا أن مصر كانت بوتقة للحضارات المتعاقبة عليها مشيرا إلي أثر ذلك علي شخصية شعبها الفريدة التي جعلته متميزا عن سائر شعوب الأرض ويري أن حضارة مصر مكونة من أربعة رقائق متفاوتة السمك: فرعونية ويونانية وقبطية وإسلامية كما ان شعبها الآن بشقيه المسلم والقبطي شعب متماسك لا يعرف العرقيات التي تعرفها دول أخري. من كتبه المهمة أيضا "ذكريات سبتمبرية" الذي سجل فيه تجربة اعتقال الرئيس السادات له ضمن 1350 مصريا بينهم البابا شنودة الثالث و8 أساقفة و24 كاهنا في سبتمبر .1981 وكانت تجربة موجهة لتقييد الحرية وهو إلي جانب الذكريات يقدم تحليلا سياسيا رائعا لخلافات الرئيس السادات ومواقفه مع الكنيسة والأقباط. ولد ميلاد حنا في القاهرة عام 1924 وحصل علي بكالوريوس الهندسة المدنية جامعة القاهرة عام 1945 ونال درجة الدكتوراه في هندسة الإنشاءات من جامعة سانت أندرو باسكتلندا عام 1950 وعين معيدا بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية "1945 1947". وعمل مساعد مدير أعمال مصلحة الطرق والكباري والمشرف علي إنشاء كوبري سوهاج أخميم علي النيل "1951 1953". ثم مدرسا وأستاذا مساعدا وأستاذ الإنشاءات بكلية الهندسة جامعة عين شمس وأخيرا أستاذا متفرغا بهندسة عين شمس في .1984 حظي ميلاد حنا بالكثير من مظاهر التقدير والتكريم ونال العديد من الجوائز المحلية والدولية منها جائزة فخر مصر من جمعية المراسلين والصحفيين والأجانب بمصر في 1998 ووسام النجم القطبي بدرجة كوماندوز من ملك السويد في 1998 وجائزة سيمون بوليفار من منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" في عام 1998 كما حصل علي جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية في عام .1999 قالوا عنه: يوم رحيله قال الناقد الكبير د. صلاح فضل: كان الراحل ميلاد حنا أحد قادة الفكر المصري في العقود الماضية وساهم بشكل بالغ الحيوية و النشاط في الدفاع عن طبيعة المجتمع المصري الذي يعتمد علي التسامح وقبول الآخر والاندماج في نسيج وطني شامل يرفض الطائفية والتعصب ويقوم علي الحب والشراكة في البناء الحقيقي. كان يتميز بعقلية علمية بالغة التنظيم والقدرة علي التخطيط في مجالات المعمار والإسكان التي تخصص بها وفي مجالات المعرفة والثقافة التي برع فيها فكانت مشاركته في اجتماعات المجلس الأعلي للثقافة ورؤيته النافذة وبصيرته الحكيمة تجعله دائما في الصف الأول من قادة الفكر بما يتميز به من شجاعة وجرأة في طرح أفكاره والدفاع عنها. وقالت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا "كان ميلاد حنا الضمير الإنساني في مصر متعددة الثقافات المتوحدة في التنوع فقدد وضع ثقافته الهائلة في خدمة الحوار بين المسلمين والمسيحيين في مصر. وكشف عن شدة العلاقة بينهما خلال أكثر من 13 قرنا وتندرج رسالته في قلب ولاية اليونسكو للتفاهم المتبادل ولاتزال عميقة في وقتنا الحاضر للعيش معا ولنزع فتيل التوترات التي يمكن أن تنفجر في عالمنا ولهذا نال جائزة اليونسكو سيمون بوليفار".