التنقل كله فوائد طالما كان المتنقل بعيداً عن نوايا الشر وأصحاب السوء. وحسبنا ما أخرجه البيقهي عن ابن عباس. أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "سافروا تصحوا وتنعموا". وأخرج عبدالرازق عن عمر بن الخطاب. أنه قال: "سافروا تصحوا وترزقوا" قال الشافعي: هذا دلالة - لا حتماً - أن يسافر لطلب صحة ورزق. وما أعظم شأن السفر إن كان بنية فعل الخير» حتي إنه إن مات غريباً. وهو بهذه النية من الخير نال مراتب الشهداء في الآخرة» لأنه مات علي نية الإصلاح والإعمار في عموم الأرض لا في أرض مولده خاصة. فقد أخرج ابن حبان في صحيحه. عن عبدالله بن عمرو. قال: مات رجل بالمدينة ممن ولد بها. فصلي عليه رسول الله. صلي الله عليه وسلم. ثم قال: "يا ليته مات بغير مولده. قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: "إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس له من مولده إلي منقطع أثره في الجنة". والمسافر إذا كان حسن النية. ولا يقصد فعل الشر فإنه يكون في كنف الله سبحانه. حتي جعل دعوته لا ترد. فقد أخرج الترمذي وحسنه. عن أبي هريرة. أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم. ودعوة المسافر. ودعوة الوالد علي ولده". ومن فوائد السفر التي ذكرها الفقهاء ايضا تحصيل العلم والموعظة. كما نبين ذلك فيما يلي: أما تحصيل العلم بالسفر فيمكن الاستدلال عليه بما ورد في القرآن الكريم من اقتران بين السفر وبين تحصيل العلم في أكثر من آية. فمهما اعتكف الإنسان علي الكتب دون الحركة بالأسفار فلا يعد نفسه من أهل العلم المعتبرين. قال تعالي: "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور" "الحج: 46". قال تعالي: "أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك علي الله يسير ہ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله علي كل شيء قدير" "العنكوب: 19 - 20". وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم كثير الأسفار من مكة إلي الطائف. ومن مكة إلي المدينة. ومن المدينة إلي خيبر وإلي تبوك. ومن المدينة إلي مكة. كما هو معروف من سيرة النبي. صلي الله عليه وسلم. ومغازيه. وأما تحصيل الموعظة بالسفر فمن أوجه كثيرة يدركها المتأملون. والموعظة هي ما يوعظ به من قول أو فعل. والعظة هي النصيحة والتذكير بالعواقب. ويحتاج الإنسان إلي الموعظة لتثبيته علي الحق. أو لتقويم سلوكه إذا انحرف عن الفطرة السوية. ومن أعظم طرائق تحصيل الموعظة السفر. يقول ابن كثير: قال بعض الحكماء: أحي قلبك بالمواعظ. ونوره بالتفكير. وقوه باليقين. وذكره بالموت. وبصره فجائع الدنيا. وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الأيام. وأعرض عليه أخبار الماضين. وذكره ما أصاب من كان قلبه. وسيره في ديارهم وآثارهم. وانظر ما فعلوا وأين حلوا ولم انقلبوا. وقد أمر الله بهذا النظر في أكثر من آية. من ذلك قوله تعالي: "أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون" "يوسف: 109". قال تعالي: "أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" "الروم: 9".