الحكومة التونسية تسعي الي الخروج من الأزمة الحالية التي صنعتها المعارضة. بل وتقاتل حركة النهضة التي تدير البلاد لتجنب المصير الذي آل اليه وضع جماعة الاخوان المسلمين في مصر. حتي لا يكون مصير ثورة الياسمين مثل ثورة 25 يناير. المشهد في تونس مختلف الي حد كبير عن مصر. اذا تغيب جميع المبررات التي طرحتها المعارضة في مصر. لكن المعارضة نفسها تبدو متطابقة ومعها الدوافع والداعمون.. فقد تأسست جبهة انقاذ وتم ايضا تأسيس حركة تمرد في تونس التي افتضح من وراء انشائها. حركة النهضة التي تصدرت انتخابات ما بعد الثورة لم تبد اي شكل من اشكال الاستئثار بالسلطة وذهبت نحو الشراكة السياسية بعقل وقلب مفتوحين وبادرت الي تقديم الكثير من التنازلات من اجل ان تمضي سفينة الثورة نحو بر الامان وصولا الي دولة مدنية تعددية حقيقية لكن هذه القوي ليست هي التي تحرك الوضع فهي من دون فلول النظام السابق "الذي يمثلهم حزب نداء تونس بزعامة الباجي السبسي" لا تساوي شيئا. لكن في المقابل.. اذا كانت رؤية النهضة وتوجهاتها التي عبر عنها برنامجها الانتخابي لعبت دورا اساسيا في فوزها بالانتخابات التونسية. فإن السؤال الذي يطرح نفسه. هل يعبر برنامج الحركة عنها وعن توجهاتها بالفعل ام انها طرحت برنامج كي تصل الي كرسي الحكم؟ من خلال الاطلاع علي نتائج تلك الانتخابات يلاحظ ان الحركة حصلت علي 89 مقعدا من اصل 217 اي حوالي 41 بالمائة من مقاعد المجلس التأسيسي. بينما ذهبت معظم المقاعد الباقية الي القوي السياسية العلمانية الليبرالية منها واليسارية اي ان انصار العلمانية هم الكتلة الاكبر في المجتمع التونسي لكن المعارضة تقول ان حركة النهضة اثبتت بالفعل ان هناك افتراقا بين ما طرحته نظريا في برنامجها الانتخابي وما مارسته عمليا خلال عامين من حكمها وعليه فإن حركة النهضة وكما حصل مع اخوان مصر. ربما تدفع ثمن سياساتها الحزبية الضيقة ومحاولتها السيطرة علي أجهزة الدولة اضافة الي ثمن اخفاقها في تنفيذ الشق الاقتصادي من برنامجها الانتخابي. من جانب اخر يشكك البعض في مصداقية العديد من قوي المعارضة ويري ان انتهازيتها قد تنعكس سلبا علي الثورة بينما يعبر البعض الاخر عن مخاوفه بشأن القوي السياسية التي تشكلت بعد الثورة والتي كان لها علاقة بنظام بن علي كحركة نداء تونس والتي بدأت تبرز في الاونة الاخيرة. لكن مواجهة هذه القوي لايكون بتغييبها القسري عن المشهد السياسي وانما من خلال الصراع السياسي معها وكشف حقيقتها امام الجمهور وما يحدث في تونس مشابهة لما تشهده العديد من الدول العربية حيث من الواضح انها نتاج اختراقات في بعض القوي من الخارج. ولاشك ان الدوافع لا تغيب اي ان بعض القوي ارادت الحصول بالفوضي علي ما عجزت عن الحصول عليه بالصناديق. المؤسستان العسكرية والامنية في تونس لاتزالان خارج سيطرة الاطار الحكومي الذي حكم البلاد بعد الثورة ما يجعل الموقف صعبا ايضا لاسيما ان بعض الليبراليين واليساريين لايجدون حرجا في التحالف معهما في حال قررتا الانقلاب علي حكومة ما بعد الثورة. بل ربما بادر بعضهما الي تحريضهما علي الانقلاب. من الصعب الجزم بمآل هذه اللعبة فالوسطاء الذين يريدون الحوار "اتحاد الشغل ومنظمات اخري" ليسوا محايدين بل هم منحازون للمعارضة ولذلك فان كل تنازل تقدمه النهضة ما يلبث ان يغدو غير كاف في عرف جميع تلك القوي التي تدير اللعبة وتبقي عيونهم مصوبة نحو المزيد وكرسي السلطة وتدبير انقلاب لايشكك احد في كونه انقلابا. وذلك في مسعي لتجنب المأزق الذي تعيشه مصر. بعد المظاهرات الحاشدة التي اندلعت في تونس الايام الماضية وما تبعها من اعمال عنف مسلحة بين قوات الشرطة والجيش والمسلحين. اسفرت عن مقتل العديد.. انطلق حوار لكن احدا لايملك اجابة حول مصيره فتارة يسير في طريقه الصحيح وتارة يترنح لأن الاخرين يريدون افشاله. المعارضة سعت من خلال المظاهرات علي حد قولها الي اقالة الحكومة وتشكيل اخري شاملة لجميع اطياف الشعب.. لكن هل فعلا تغيير الحكومة ماتصبوا اليه المعارضة وتنتهي الازمة الحالية ام تتطلع الي ما هو اكثر من ذلك وتعد الحكومة الجسر الذي يمرون عبره الي مايريدون؟!