بمناسبة مرور 27 عاماً علي وفاة فنان السينما الكبير شادي عبدالسلام عرض مركز الإبداع الفني بالقاهرة ثلاثية "الطريق إلي الله" التي حققها أحد تلاميذه وهو المخرج مجدي عبدالرحمن. استعير تعبير أخوتنا الشوام وأكتب حققها ولا أقول أخرجها. فالعمل المكون من ثلاثة أجزاء قام شادي عبدالسلام بانجاز تصوير العمل الأول والثاني منها وتركه مادة خام دون أن يعمل علي مونتاجه. وسواء كان السبب مرضه الذي أدي إلي وفاته عام 1986 أو كان لسبب آخر يتعلق بالإنتاج مثلاً فقد ترك مجرد مادة خام لا يمكن اعتبارها فيلماً له مثل أفلامه المعروفة جميعها. أعماله الكاملة هي ستة أعمال وهذه الثلاثية هي عن الأعمال غير الكاملة له. الأول عنوانه "الحصن" والثاني "الدندراوية" والثالث تحت مسمي "مأساة البيت الكبير" وهو فيلم وثائقي مكتمل الأركان كتب له السيناريو مجدي عبدالرحمن وقام مهندس الديكور الفنان أنسي أبوسيف بالشرح والتعليق عليه والفيلم عن شادي في عمل لم يكتمل عن فرعون التوحيد إخناتون في مشروع الفيلم الذي اسماه شادي عبدالسلام بمأساة البيت الكبير. وهو الجزء الثالث من ثلاثية "الطريق إلي الله" يبدأ بلقطات لشادي موثقة أثناء تحضيره لفيلم إخناتون. ومعه فنان الديكور الراحل الكبير صلاح مرعي وهذه المشاهد بمثابة كنز ثمين احتفظ به مجدي عبدالرحمن ووظفه في عمله التسجيلي عن الفيلم الذي لم يصوره شادي. هناك صوت يشبه صوت شادي عبدالسلام يشرح وكأنها في مقابلة صحفية قائلاً: اخناتون كان أحد الفراعنة الذين حكموا مصر من حوالي 3400 سنة. من بين أكثر من 180 فرعوناً. وهو الفرعون الوحيد الذي امتلك الجرأة علي المناداة بالتوحيد وكان التيار ضده قوياً جداً. مختصر القصة أنني في هذا الفيلم أعالج مأساة رجل مفكر كان سابقاً لعصره. ومأساة فشله هي محور الفيلم الذي شغلني التفكير فيه طويلاً. الجملة التي استوقفتني أن شادي يعتبر اخناتون مفكر سابق لعصره حورب من الكهنة المسيطرين علي مقاليد الأمور في مصر لعقود. وهو رأي أقرب لما عرفناه عن شادي المثقف العصري. وليس احتفاء بمن سار علي "الطريق إلي الله" كما صوره مجدي عبدالرحمن. وأغلب الظن أن الفنان شادي عبدالسلام لم يكمل عملية الحصن والدندراوية لما وجده من أن ما صوره لا يحقق أفكاره التي انحاز إليها في أعماله الكاملة والتي تنتصر للحكمة والعدل وضرورة الأخذ بأسباب المدنية كما في المومياء الذي انتقد فيه اعتماد المصريين علي تراث الأجداد للتعايش منه رافعاً السؤال الاستنكاري: "هل هذا عيشنا؟" وكما تجلت في شكاوي الفلاح الفصيح الذي صور فيه الفرعون العادل الذي يطبق القانون بعدالة ويعيد للفلاح ما اغتصبه منه اللصان. ونعود لصوت شادي في فيلم "مأساة البيت الكبير" ونسمعه يؤكد أن فيلم اخناتون فيلماً قومياً ولابد أن يكون إنتاجه مصرياً وأنه لا يفهم أن يدخل الإنتاج الأجنبي فيه. نسمع صوته وهو يختار الممثلين في مشاهد تشبه ما نسميه حالياً بالميكنج الذي أصبح له اهتمام كبير في صناعة السينما المصرية المعاصرة. كلمات شادي قدمت العمل التسجيلي الذي كتب السيناريو له مجدي عبدالرحمن بعد أن بدأه بوثيقة هامة لشادي وهو يختار ممثلي العمل تظهر بينهم سوسن بدر وجهاً مصرياً بارع الجمال بين أخريات. وقبل ذلك مشهد استهلالي لمجموعة العمل في الديكورات مع صلاح مرعي ولقطات نادرة له يضع حلية التاج لرأس اخناتون وينتهي منه لنشاهد شادي متأملاً نتيجة العمل بسعادة بالغة. "الطريق إلي الله" رؤية لمجدي عبدالرحمن عن أعمال شادي عبدالسلام التي لم تكتمل. ولا تعبر بالضرورة عن سينما شادي عبدالسلام التي وضحت في العمل البديع "المومياء" وفي العمل القصير "شكاوي الفلاح الفصيح". وفي أعماله المكتملة التسجيلية ثلاثية فرعونية أهمها "كرسي توت عنخ آمون الذهبي". و"آفاق" عن انجازات وزارة الثقافة والفنانين المعاصرين. وآخرها "جيوش الشمس". الثلاثية لها تتر واحد في النهاية لم يسجل عليه مجدي عبدالرحمن أنه أكمل ما صوره شادي ولم يضع لوحة مكتوبة توضح هذا الأمر المهم والضروري لكي يتعامل الناقد والمتلقي مع العمل منسوباً لصانعه بدلاً من خطأ الاعتقاد أنه فيلم لشادي عبدالسلام بينما الدقة أنه فيلماً عن أعمال شادي عبدالسلام غير المكتملة. يعبر عن رؤية مجدي عبدالرحمن عن "الطريق إلي الله" وهذا الامتداد الإيماني للمصريين منذ الفراعنة وحتي الآن. يدافع مجدي عبدالرحمن عن عمله فيقول إنه كان ملاصقاً لشادي في فترة تصوير الأعمال وخاصة في العشر سنوات الأخيرة وأنه توحد مع روحه وتلبس إيقاعه ليخرج العمل وكأن شادي قد أنجزه بنفسه. وهو أمر في غاية الصعوبة وخاصة مع فنان شديد الخصوصية يجرب في كل عمل أسلوباً مختلفاً وإن القول ببطء الإيقاع ليس السمة الوحيدة لشادي ولا يمكن بحجة المحافظة عليها أن تترك لقطات دون تزامن دقيق كما في مشهد الدفوف بالعمل الأول. أو أن توضع لقطة مغبشة خارج البؤرة بينما توجد لقطات أخري شبيهة لها. والأهم أن ما يذهب إليه المخرج ويكون معبراً عن رؤيته وهدفه من الفيلم. وهو ما لا يمكن معرفته عن طريق الكلمات التي يشرح بها عمله. بل نعرفها من قراءتنا للفيلم بعد مشاهدة متأنية له.