يعاني عدد كبير من مستشفيات وزارة الصحة عدم مطابقتها للمعايير الدولية لأن الكثير منها كانت في الأصل مبان أثرية ترجع إلي حقبة الثلاثينيات وما حولها حيث كان الأمراء والأثرياء يتبرعون بالقصور لتحويلها إلي مستشفيات وبمرور كل هذه السنوات أصبحت تلك المستشفيات تعاني التدهور وعدم القدرة علي تطبيق المواصفات العالمية بها وحين تمتد إليها آيادي التطوير تصطدم بالمسئولية التائهة ما بين الآثار التي تمنع إدخال أي تغيير بالمبني وبين سياسة التطوير الخاطئة التي تتبعها الدولة. وفي جولة لرصد الحالة المتردية التي وصلت إليها المستشفيات المقامة بمبان تاريخية قمنا بزيارة مستشفي بولاق أبوالعلا والذي يعد من المباني الأثرية حيث أنشئ عام 1936 ويعاني الآن التدهور والفقر في الخدمات والامكانات بعد أن كان من أفضل المستشفيات.. وتروي هند رءوف "مريضة بالفشل الكلوي" ان المستشفي في حالة يرثي لها فشبكات الصرف الصحي والمياه متهالكة وكذلك توصيلات الكهرباء بأدوار المستشفي المختلفة ولا يوجد نظام إطفاء حديث بالمستشفي والأسقف الخرسانية والحوائط تملؤها الشقوق مما يمثل خطورة علي العاملين والمترددين. المستشفي شبه متوقف فعند التجول داخله تشعر بأنك داخل منزل مهجور.. الغرف مغلقة والأسقف تملأها خيوط العنكبوت ومؤخراً تم غلق وحدة الغسيل الكلوي بسبب تهالك السقف.. وحتي الاسعافات الأولية غير متوافرة ويتم تحويل المرضي المترددين عليها إلي مستشفي الساحل وروض الفرج ومعهد ناصر. أكشاك خشبية ومن بولاق أبوالعلا إلي مستشفي العجوزة التي تتميز بطراز معماري مختلف.. هناك وجدنا معظم المباني خالية والمستشفي مليئة بأعمال الحفر الذي بدأت منذ أكثر من 12 عاما.. هناك وجدنا قسم الاستقبال وسجلات المرضي عبارة عن أكشاك خشبية غير مطابقة للمواصفات مما ينذر بكارثة ولا يوجد أماكن لانتظار المرضي. تقول داليا مصطفي اخصائية تمريض إن المستشفي كان يعمل بكامل طاقته عام 2000 وكان يوجد به 503 أسرة وكان المستهدف أن تصل السعة السريرية إلي 700 سرير ولكن ما حدث هو تدهور المستشفي وأصبحنا نعمل ب160 سريراً فقط بسبب غلق اقسام بأكملها مثل مبني العيادات الذي تم تحويله إلي مخازن بالاضافة إلي مبني الكلي الصناعية الذي تحول إلي غرف خشبية وصاج به بجانب إلغاء قسم الطوارئ مما يجبرنا علي تحويل أي حالة إلي العمليات مباشرة هذا بخلاف ما حدث في عهد مبارك عندما أصدر جمال مبارك قراراً بتطوير مباني العجوزة وقام وقتها بالاستيلاء علي الصيدلية ومدرسة التمريض وتحويلها إلي كبائن كهرباء للعمائر الجديدة. وأضاف أحد العاملين أن بطء أعمال التطوير حول المستشفي لمبني صناعي.. فالمعدات الثقيلة تملأ أروقة المستشفي مما أدي إلي انتشار الاتربة.. والمخلفات تحيط بالمباني وانتشار الحفر أدي إلي إصابة العديد من العاملين والمترددين وفي كثير من الأحيان تؤدي أعمال الحفر إلي انهيار البنية التحتية للمستشفي وهذا بسبب قدم المبني وعدم وجود خريطة توضحه. ويوضح الدكتور مصطفي بيومي مدير مستشفي العجوزة أن المستشفي في بداية الثلاثينيات عندما تبرعت بها الأميرة حفيظة رستم الألفي وكان تصميمه حين ذاك يتلاءم مع المعايير الدولية للمستشفيات وصممت علي ثلاث بلوكات جميعها عبارة عن أدوار أرضية ودورين علويين.. ومنذ أكثر من 12 عاماً حدث به بعض التلفيات وقام اسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق بوضع خطة لتطويره. ونموذج آخر من المستشفيات التاريخية التي يعد اغلاقها إهداراً للمال العام وجريمة في حق تاريخ مصر الطبي والتي تركتهم الدولة دون تدخل لحل النزاعات مثل مستشفي علي إبراهيم باشا بالدقي الذي يعد اسمه تاريخ للطب فعلي ابراهيم باشا أول نقيب للاطباء وتعد مستشفاه من أعرق المستشفيات ولكن توقف العمل به منذ سنوات بسبب مشاكل بين الورثة وأيضا المبني المجاور لمستشفي حلوان العام حالياً والذي كان قديماً هو المستشفي ولكن تم اخلاؤه منذ عشرات السنين لأنه أيل للسقوط. كارثة حقيقية يؤكد الدكتور عبدالرحمن رئيس قطاع الدعم الفني بوزارة الصحة أن تحويل القصور والمباني التاريخية إلي مستشفي يعد كارثة حقيقية فجميعها غير مطابقة للمعايير الدولية لتصميم المستشفيات فلا يوجد بها نظم مكافحة العدوي ولا شبكة للغازات وتكيفات منقية للهواء حديثة مؤكداً أن تكلفة تعديل وتطوير هذه المستشفيات سواء بالهدم أو الترميم يتجاوز 80% من قيمة انشاء مستشفي جديدة مثلما يحدث الآن بمستشفي العجوزة. وأوضح أن هناك فراً شاسعاً في الخدمة المقدمة بين المستشفيات التي أنشئت من أجل هذا الغرض وبين الخدمة المقدمة بالمستشفيات التي تم إدخال التطوير عليها وهي في الاصل غير ملائمة لهذا الهدف وإذا كان مقبولا أن يتم تحويل المباني الأثرية إلي مبان إدارية مثل تحويل مبني الأميرة شويكار إلي مبني رئيس الوزارة ولكن تحويل الآثار إلي مبان خدمية كمدارس ومستشفيات أمر غير قبول ويجب ان نلغي هذا القرار ويعاد الشيء إلي أصله وتتحول هذا المباني إلي متاحف مفتوحة ويجب ان يتم احلال لهذه المستشفيات علي فترات زمنية. تؤكد د. زكية شافعي استاذ الهندسة المعمارية وقامت بالعديد من الدراسات المتخصصة في الهندسة الطبية وعضو اللجنة المكلفة بملف المعايير الدولية للمستشفيات انه بناء علي طلب من وزارة الصحة لعمل دراسة متكاملة ومتخصصة في ابنية المستشفيات تمت مخاطبة وزارة الإسكان والتي أسندتها إلي مركز بحوث البناء وتم تشكيل لجنة من المتخصصين والاستشاريين لدراسة كافة المعايير الدولية وتحديد أكواد جديدة لبناء المستشفيات وتختص اللجنة بثلاثة أجزاء الجزء الأول يحتوي علي الكود رقم1 والذي يختص بالمعايير الدولية للمستشفيات العامة والكود الثاني يحتوي علي المواصفات الخاصة بالمستشفيات المتخصصة كالعيون والقلب أما الكود الثالث فيختص بالمباني القديمة سواء كانت مستشفيات قديمة أو بنايات تاريخية تحولت إلي مستشفيات وماهي المواصفات والتعديلات والنظم الجديدة التي يجب ان تتوافر بها ومازالت اللجنة تمارس عملها حتي الآن. فكر خاطئ د. محمود عباس رئيس الإدارة المركزية لآثار العصر الحديث يؤكد أن تحويل المباني الأثرية إلي مبان إدارية وخدمية فكر خاطئ تماماً ولكن المجلس الأعلي للآثار يقف مكتوف الايدي لأن القانون لا يسمح لنا بانتزاع ملكية هذه الآثار إلا عن طريق الاخلاء والتعويض وهذا يحتاج مئات المليارات ونحن نتمني أن تقوم الدولة بإصدار قرار بالمصادرة لتلك المباني فقصر الأميرة شويكار المحول إلي وزارة الصحة مبني أثري عملاق يجب مصادرته وحمايته مما يتم فيه من أعمال تؤثر علي سلامة الأثر وعراقته وغيره من الآثار المهمة جداً وكل ما نستطيع فعله هو الوقوف أمام أي أعمال للتعديل والتغير في معالم الأثر لأن ذلك يعد جريمة.