** عرض التليفزيون المصري تسجيلاً نادراً أول أمس الأربعاء للقارئ الباكستاني "خوشي محمد" فيما تيسر من سورة "ق" وكم نجح القارئ الباكستاني في الاستحواذ علي آذان المصريين بأسلوبه المتميز في تلاوة آي الذكر الحكيم. خاصة أنه ينتمي إلي مدرسة عمنا الشيخ مصطفي إسماعيل. وفي مثل هذا التوقيت قبل انطلاق مدفع الإفطار يوم الجمعة القادمة سيذاع تسجيل مماثل للقارئ الهندي الشيخ "مرتضي جعفر" وبعده بأيام يذاع تسجيل ثالث للقارئ الماليزي الشيخ "عبدالودود كشف الأنوار" وكلاهما ينتمي لمدرسة الشيخ عبدالباسط عبدالصمد. وإذا كان كبير المعدين بالبرامج الدينية الأستاذ عبدالعزيز عمران قد نجح في شد انتباه الجمهور بإذاعة مثل هذه التسجيلات التي تؤكد علي ريادة المدارس المصرية في فن التلاوة وانتشارها في شتي أرجاء العالم الإسلامي. إلا أن التوفيق قد جانبه في اختيار بعض التسجيلات لقراء لم يكن لهم بصمة تذكر في دولة التلاوة. خاصة أن بعض هذه التسجيلات تم تسجيلها داخل الاستوديوهات المغلقة ولم تكن علي جمهور وبذلك تراجعت قيمتها التاريخية بالمقارنة مع بقية التسجيلات. وواقع الحال أن أحد السميعة المتيمين بمثل هذه التسجيلات القيمة ويدعي "تامر البهتيمي" قد نبهني عبر الهاتف إلي متابعتها منذ مطلع شهر رمضان المعظم. وكم بهرتني البداية. فقد وجدتني أمام تلاوة مذهلة لما تيسر من آي الذكر الحكيم في سورة الأحزاب. وإذا بي أمام القارئ العبقري الشيخ عبدالعظيم زاهر صوت وصورة يقرأ القرآن كما أنزل بأداء واثق وصوت خاشع وقد تملكته نفحة ربانية يخص بها الله عباده المخلصين.. استمع إليه وهو يتلو قوله تعالي: "الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفي بالله حسيباً".. استمعت إلي الشيخ لمدة سبع دقائق فقط من إجمالي 11 دقيقة انطلق بعدها مدفع الإفطار وعلا الأذان في سماء مصر المحروسة. وكنت أتمني أن تمتد التلاوة طويلاً. ولكن عزائي أن الجزء الثاني من هذه التلاوة المبهرة سوف يذاع اليوم أو غداً عبر قرآن المغرب علي القناة الأولي ويتلو فيه الشيخ زاهر ما تيسر من سورتي القمر والرحمن. ** من رمضان إلي رمضان يسعي عبدالعزيز عمران جاهداً إلي إعداد مثل هذه التسجيلات. أي بامتداد سنة كاملة. وهي مدة كافية لتقديم الأفضل من تسجيلات عباقرة التلاوة. وقد أطلعت علي خريطة التسجيلات الرمضانية لهذا العام وتوقفت أمام ملاحظتين: الأولي أن الخريطة قد خلت من تسجيلات قراء كبار بحجم محمد صديق المنشاوي. وكامل يوسف البهتيمي. والشحات أنور. وعبدالعزيز حصان. ومحمد أحمد شبيب. وفتحي المليجي وجميعهم لهم عدة تسجيلات حية.. والثانية أن ترتيب الإذاعات تجاهل تاريخ كبار الرواد وفي مقدمتهم نقيب القراء السابق الشيخ أبوالعينين شعيشع طيب الله ثراه فلا يصح ولا يليق أن تذاع تلاوته بعد قراء في مقام تلاميذه. وهذا لا يقلل من الجهد الهائل الذي يبذله عبدالعزيز عمران في التوصل لمثل هذه التسجيلات التراثية. فالرجل يحفر في الصخر وحده دون مساعدة تذكر من قطاع الهندسة الإذاعية بالتليفزيون أو من لجنة التراث التي تترأسها الإعلامية القديرة سهير الأتربي. ولأن عبدالعزيز عمران من محبي القرآن وخدامه كما يصف نفسه. فإني علي ثقة أنه سيبذل قصاري جهده لدي السميعة وأسر وعائلات قراء القرآن الكريم للحصول علي المزيد من التسجيلات النادرة. خاصة تلك التي تم تسجيلها في المناسبات العائلية والاحتفالات الدينية الرسمية بحضور القادة والزعماء. فليس بالضرورة أن تكون التسجيلات الحية علي الهواء هي الأفضل..! ** وعلي ذكر مكتبة التراث التليفزيونية فإني أدق ناقوس الخطر حيث تتعرض مئات التسجيلات الحية من التراث التليفزيوني عموماً. والتراث الديني علي وجه الخصوص للتلف والاندثار. فالقسم الأكبر من مكتبة التراث يقبع في بدروم مبني التليفزيون وقد تعرض لطفح المجاري أكثر من مرة. والقسم الآخر من المكتبة يتم تخزينه بإحدي شقق أكتوبر بشكل عشوائي ولا يستفاد منه علي الاطلاق. وبالرغم من الموافقة علي توفير مكان مناسب بالمبني الجديد المعروف باسم مبني "ص" لضم المكتبتين وإعدادهما بأسلوب علمي وشكل لائق. إلا أن المسئولين في التليفزيون في واد آخر. ولا يعنيهم من قريب أو بعيد أن يحتفظ التليفزيون بتراث رموز الأمة من التسجيلات الحية لزعماء الأمة وكبار العلماء والأئمة والدعاء والأدباء والشعراء ونجوم الصحافة والفن إضافة إلي عباقرة التلاوة والمنشدين الكبار أمثال الشيخ طه الفشني ومحمد الطوخي ومحمد عمران والنقشبندي ونصر الدين طوبار. وجميعها توجد علي شرائط 2 بوصة. وما أدراك ما شرائط 2 بوصة حيث يصل وزن الشريط الواحد إلي 12 كيلو جراماً ويحتاج تنظيفه وإعداده إلي حوالي ست ساعات ويحتوي علي مادة فيلمية ما بين ساعة. وساعة ونصف الساعة..! ** آخر الكلام: ومن حسن الطالع أن يتم اختيار الإعلامية المرموقة د.درية شرف الدين لمنصب وزير الإعلام. فهي ابنة التليفزيون وتستطيع بقرار واحد أن تكتب تاريخها بحروف من نور. وأحسب أنها ستحرص علي إنقاذ التراث التليفزيوني بإصلاح ماكينة تنظيف الشرائط وإعدادها للنقل. وشراء فرن حراري علي وجه السرعة لتثبيت المواد الصمغية علي الشرائط. وإن لم تفعل فقل علي التراث التليفزيوني السلام. وتكفي معلومة صغيرة أضعها أمام الوزيرة لكي تتدخل علي الفور. فالبعض يستخدم شرائط القرآن في تسجيل مباريات كرة القدم وما شابه. فالتراث الديني في رأيهم لا يهم أحداً..؟!