عادت قضية معتقل جوانتانامو إلي واجهة الأحداث من جديد مع اقتراب الاضراب عن الطعام الذي ينفذه عشرات الأسري من اتمام شهره الرابع احتجاجا علي الانتهاكات وعمليات التعذيب التي تمارس ضدهم بدلا من تنفيذ وعود الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإغلاق المعتقل سييء الصيت واطلاق سراح أسري أبرياء. بدأ اضراب نحو 100 من بين 166 معتقلا في السادس من فبراير الماضي عندما قررت الادارة الأمريكية الجديدة بحسب محامون تبني نهجاً أكثر عقابا في مخالفة لاتفاقية جنيف حيث قام الحراس بعملية تفتيش صادروا خلالها جميع وسائل الراحة لدي الأسري الذين ألهب غضبهم تفتيش مصاحفهم وتدنيسها. ويرقد الأسري المضربون علي أرض أسمنتية متجمدة في زنازين انفرادية داخل جوانتانامو وقد أصابهم الوهن والضعف وجردوا من جميع ممتلكاتهم وحتي الاساسية منها مثل الفراش والصابون بينما يقرع الحراس بقوة علي أبواب الزنازين ويصرخون فيهم من أجل تحريك ايديهم أو أرجلهم ليتأكدوا انهم مايزالون علي قيد الحياة حسبما تقول صحيفة "الاندبندنت البريطانية" التي حصلت علي شهادات مسربة من بعض المعتقلين عن أوضاعهم اللاإنسانية في جوانتانامو. ووفق هذه الشهادات أجبر أكثر من 20 معتقلا وهم مقيدو الايدي والاقدام علي الكراسي علي تناول الطعام بالقوة عن طريق الأنف مرتين في اليوم في إجراء بشع حيث يتقيأ السجناء وتنساب الدماء من أنوفهم وتؤكد جماعات حقوقية وطبية ان هذا الاسلوب يمثل شكلا من أشكال سوء المعاملة يرقي إلي التعذيب وينتهك اخلاقيات الطب. وتكشف شهادات المعتقلين أيضا ان معظم السجناء محتجزون الآن في الحبس الانفرادي في زنازين بلا نوافذ كما يشكو المعتقلون من تشغيل التكييفات إلي مستويات شديدة البرودة وايقاظهم ليلا واجبارهم علي الاستحمام كما يتعمد الحراس استفزازهم في أوقات الصلاة. ويبدو ان الاضراب عن الطعام جاء ليذكر أوباما بالوعد الذي قطعه علي نفسه خلال الحملة الانتخابية في 2008 قبل توليه الفترة الرئاسية الأولي باغلاق المعتقل لكنه تراجع في مواجهة معارضة الكونجرس وعقبات سياسية حيث يلقي أوباما بالكرة في ملعب الكونجرس في عرقلة مقترحة في 2010 بإغلاق جوانتانامو كما ان الكونجرس استخدم سلطته في منع أوباما من نقل المعتقلين إلي سجن في ولاية ايلينوي بهدف محاكمة خالد شيخ محمد والمتهمين المفترضين بالتورط ف هجمات 11 سبتمبر أمام محكمة عسكرية بدلا من محاكم مدنية. وكان 86 معتقلا قد تم تبرئتهم وحصلوا علي احكام باطلاق سراحهم أو نقلهم إلي بلدان أخري قبل أكثر من ثلاث سنوات ولكن كلهم مازالوا في جوانتانامو يعيشون في حالة فراغ قانوني علي الرغم من موافقة اليمن علي استلام 56 من بين ال 86 وكذلك طلبت افغانستان عودة 17 من معتقليها. ويساهم الكونجرس بدوره في هذه الأزمة أيضا حيث طالب أعضاء في الكونجرس تأكيدا رسميا من وزير الدفاع الأمريكي بأن المعتقلين الابرياء لن يعودوا في المستقبل إلي ساحات القتال وبموجب القانون الأمريكي الحالي فإنه يمكن نقل المعتقل إذا أكد كل من وزير الدفاع ووزير الخارجية ومدير المخابرات القومية ان البلد الذي سيتجه إليه يتخذ خطوات جادة لدرء أي خطر علي الولاياتالمتحدة لكن اللوم وحده لا يقع علي الكونجرس حيث انتزعت محكمة الاستئناف الاتحادية الأمريكية الحكم التاريخي للمحكمة العليا في 2008 بحق معتقلي جوانتانامو في الطعن في احتجازهم أمام المحاكم الاتحادية الأمريكية. كما ان ذلك لا يعفي أوباما من المسئولية حيث رفض توسيع نفوذه السياسي بعد التوقيع علي قوانين في مجال الدفاع تحد من قدرته علي نقل المعتقلين وخلقت ادارته جزءاً آخر من مشكلة جوانتانامو عندما علقت نقل جميع المعتقلين إلي اليمن بعد احباط محاولة مزعومة لتفجير طائرة في رحلة جوية بين امستردام وديترويت في عام .2010 ويقول الكاتب الأمريكي دويلي مكمانوس في مقال له بصحيفة لوس انجلوس تايمز ان بامكان أوباما أن يتخذ بعض الخطوات لحل أزمة جوانتانامو مثل تعيين خليفة لدانيال فرايد الموفد الخاص السابق لاغلاق جوانتانامو والذي لايزال منصبه شاغرا منذ العام الماضي اضافة إلي استئناف البحث عن أماكن أو دول جديدة لاستضافة المعتقلين. ويقول الكاتب نفسه ان هذه الخطوات قد تساهم في حل جزء كبير من مشكلة قد تبدو مستعصية علي الحل لكنها بمفردها لن تسفر عن إغلاق جوانتانامو في الوقت الذي أقر فيه أوباما الاحتجاز لأجل غير مسمي لمتهمين بالارهاب علي الرغم من اعترافه بأن هذه السياسة غير قابلة للاستمرار قانونيا أو اخلاقيا كما انها تضر بصورة أمريكا في العالم من دون جعل الولاياتالمتحدة أكثر أمنا. لكن الاضراب عن الطعام ربما يجبر ادارة أوباما علي تغيير هذه السياسة. مثلما نجح الأسير الفلسطيني سامر العيساوي بعد 8 أشهر من اضرابه عن الطعام في اجبار سلطات الاحتلال علي اطلاق سراحه نهاية العام وعدم ادانته بكامل فترة الحكم السابق بسجنه 26 عاما ومن قبله الأسري الفلسطينيون في معركة الأمعاء الخاوية في مايو 2012 عندما تمكنوا من تحقيق مطالبهم بانهاء العزل الانفرادي والاعتقال الاداري والسماح بالزيارات العائلية من الضفة الغربية وقطاع غزة.