في عيد القيامة.. يتجدد الرجاء بالرب. والثقة بوعوده الأبدية. بعد أن قدم ذاته فداء عنا علي خشبة الصليب المقدسة. وهو الموقف الذي عبر عنه السيد المسيح بقوله: ليس هناك حب أعظم من هذا أن يضع الإنسان نفسه من أجل أحبائه. وقديماً ظهر الرب لأبينا إبراهيم في ثلاثة رجال قديسين. لأنه رجل بار. فقد قدم الله نفسه له لكي يري من خلال الإنسان البار الذي تأهل لرؤيته. ولايليا النبي قال الرب: أخرج وقف علي الجبل أمام الرب. وإذا بالرب عابر. وريح عظيمة وشديدة شقت الجبال وكسرت الصخور أمام الرب.. وبعد الريح زلزلة. ولم يكن الرب في الزلزلة "تث11". ولكليمه العظيم موسي. تجسد الخالق في صورة نار أمسكت بالعليقة ولم تحرقها. حتي ان النار كلمت موسي قائلة: "أنا هو الله الذي لا إله إلا هو". وعندما جاء ملء الزمان. تحققت النبوءة الكبري وقال الوحي "عظيم هو سر التقوي الله ظهر في الجسد".. وقال أيضا: إلي خاصته جاء وخاصته لم تقبله. أما الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أبناء الله. أي المؤمنين باسمه". وبعد ألفي عام من سر التجسد الإلهي. وعاما بعد عام. والقبر المقدس بأورشليم مازال يفج بنور حقيقي يضيء لكل من في العالم.. انتشر النور ورآه القاصي والداني في عز ظهر أمس. وكل سبت نور سابق علي عيد القيامة المجيد. وفي هذا اليوم يقوم الأب بطريرك الروم الكاثوليك بتفتيش القبر ومعه مجموعة من الأمناء المشهود لهم بالنزاهة والثقة في تمام الساعة العاشرة صباحاً.. وفي منتصف الظهيرة يدخل البطريرك كنيسة القيامة في طقوس سنوية لم تنقطع منذ قيامة رب المجد وحتي اليوم.. وهنا تدق الأجراس في كل أورشليم بالنغمة الحزايني - البطيئة - وهنا يدخل ممثلو الطوائف. ثم يتقدم البطريرك إلي القبر المختوم بالشمع الأحمر والعسل. ويتم تفتيشه هو للتأكد من عدم وجود أي مصدر للنور أو النار معه حتي انه يخلع ملابسه السوداء ويبقي بالملابس البيضاء. ويقوم بتفتيشه - حسب التقليد - حاكم القدس ومدير شرطة المدينة وعدد من الكهنة ويتم ذلك أمام أنظار الجميع وحديثا - أمام كاميرات الفضائيات التي تتسابق لنقل هذا الحدث المرهب علي الهواء. يدخل البطريرك وهو يحمل شمعة مطفأة. وتبدأ مراسم النور المقدس بصلوات وتمجيدات. يليها دخوله إلي القبر المقدس. وهناك يؤدي صلوات إلي الرب طالبا منه ان يظهر نوره - كشاهد سنوي حي علي القيامة المجيدة - ويؤدي الصلوات راكعا علي ركبته. وفي هذه الاثناء تشرئب الاعناق نحو القبر المقدس. ويلف الصمت الرهيب المكان المكتظ بطالبي البركة الكبيرة. إلي أن يتنامي صفير حاد. ويخرج برق أزرق وأبيض من القبر المقدس. وفي ثوان يتناقل الجميع نور الشموع الخارجة من القبر. وهو نور لا يحرق وانما هو للبركة والشفاء وتلبية الاحتياجات يصحبها دموع البهجة والفرح والإيمان. تنسكب من عيون الناس في لحظة مجد لا ينطق به. القصة بحذافيرها مطبوعة في ذهني منذ أكثر من 40 عاما. عندما كانت جدتي "الحاجة" تضمني وتحكي لي ذكرياتها حول زيارتها للقدس في رحلة حج. هي أعز ما تملك من ذكريات طوال رحلة حياتها. وتسجل كتب التاريخ حادثا فريدا بطله ابراهيم باشا نجل محمد علي باشا. فبعد ان تم فتح بيت المقدس والشام سنة 1832م دعا ابراهيم باشا البابا القديس بطرس السابع لزيارة القدس ومشاهدة واقعة انبثاق النور المقدس من القبر. فلبي البابا الدعوة. وطلب إليه الباشا الاشتراك مع بطريرك الروم - علي أن يكون ثالثهما - لأنه بصراحة كان يرتاب في النور.. وقد أخرج الشعب خارجاً. ورغم ذلك لم تتوقف صلوات الشعب في الخارج. وفي لحظة فج نور عظيم. فأغشي علي الباشا وإذا بأحد أعمدة باب كنيسة القيامة - الغربي - انشق وظهر منه نور اسعد الجماهير في الخارج.. ومازال هذا العمود المشقوق شاهداً علي هذه المعجزة إلي يومنا هذا. وقديما.. وفي سنة 1178 بعد ان اصبحت القدس تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي. قرر صلاح الدين حضور هذا الاحتفال المهيب.. وفي لحظة انفجاج النور حاول صلاح الدين ان يطفئ الشمعة التي في يده عدة مرات لكنها كانت تضاء من ذاتها. مرة وراء الثانية والثالثة.. حتي أيقن انها معجزة. تأملات.. وكلمات لولا ظلمات الصليب. ما كانت أنوار القبر الفارغ. لولا آلام المخلص. ما كانت مسرة الولادة. الارض إن لم تشقها الحبة. وتمزق احشاءها فهي لا تأتي بثمرة. العجين.. إن لم تكوه النار فهو لا يصبح رغيفا. ولولا آلام الجلجثة ما كانت بهجة القيامة.