أقر وأعترف أنني أرحب بأي دعوة لزيارة القدس ليلة عيد القيامة المجيد.. لأن حلم حياتي هو حضور ليلة سبت النور من داخل كنيسة القيامة بالقدسالشرقيةالمحتلة .. لأري بعيني معجزة انبثاق النور من قبر المسيح .. ولن تشغلني سفسطة المثقفين عن التطبيع ، ولا مناورات السياسيين لحصد المكاسب، فأنا ذاهبة للقدس لأن القدس لنا مسيحيين ومسلمين وسوف ننتزعها بالتواجد فيها .. والمقدسات هي زادنا خصوصا الآن في أيامنا الغبرة التي لوثها المنافقون ، والنخاسون ، وتجار الدين ، والمتآمرون والانتهازيون .. لذلك أدافع عن فضيلة المفتي وأؤيد اشتياقه للصلاة بمسجد البراق وقبة الصخرة والأقصي .. وأقول للمعارضين والمهددين والمتحفلطين كام واحد منكم استشهد لاستردادها طوال 24عاما من تحريم التقديس عام 96!! .. ارحمونا بقي ، كفاية سودتم عيشتنا ، وهجَرتم أولادنا ، أحرقتم قلب مصر ، وشوهتم وجهها ثم نقبتوه ، وغيبتم عقول الغلابة ..عودوا إلي إنسانيتكم ربما يرحمكم الله .. وأقول لفضيلة المفتي د. علي جمعة أحسنت يا سيدي الشجاع .. لقد أثبت أنك إنسان حر لا تخاف لأنك لم تستعبد لمنصب أو جاه .. فمن منا لا يحلم باستنشاق عبير الأماكن المقدسة التي زيارتها هي حق وواجب . فضيلة المفتي يابختك .. أتصورك عدت وقد اغتسلت نفسك واستعدت سلامك ، وأضاء وجهك نور الله الذي يغمر كل حجر ومبني وزقاق وذرة هواء بالقدس .. حقيقي يابختك وعقبالي .. زيارتك أعادتني لذكريات غالية كان لها تأثير عميق في نسيجي العقلي والنفسي والروحي والأخلاقي ، وفي قناعاتي وسلوكي في الحياة .. كنت طفلة أتابع فرحة استعداد جدتي لزيارة القدس ودخول كنيسة القيامة ، والعودة بوجه طاهر مضيء ، وعافية جسدية تهزم عمرها ، وبحزمة الثلاثة وثلاثين شمعة – هي عمر المسيح علي الارض - التي أضاءتها من النور المعجزي المنبثق من قبر يسوع المسيح مساء سبت النور.. نستقبلها ونتمسح بها ونتشمم بخور صلاتها ، متلهفين علي سماع التفاصيل، وكيف نزلت بردائها الأبيض في نهر الأردن .. تحكي هي فنتأكد نحن أن الله موجود ، إلهنا حي ، يرانا ويسمع أفكارنا ويعرف نوايانا ويحارب عنا فنطمئن ونبتهج .. تتبادل التقديس سنويا مع أبي وأمي ويوصوننا بتكفينهم برداء النهر المقدس فنتعزي في فراقهم .. تستقر الذكريات في وجداني ، وأسابق الأعوام لزيارة أورشليم مدينة يسوع .. نكبر فيصدمنا قرار البابا بتحريم الزيارة طالما القدس محتلة .. يطول عمر الحرمان فيتضاعف الاشتياق وينمو التمرد ، ويأتي فضيلة المفتي ليذكرني بالحلم الذي سلبه مني قرار منع أطعته احتراما بلا اقتناع ، وأرفضه بعد سقوط الأقنعة . أستعيد تهدج أنفاس جدتي وهي تصف مدينة القدس القديمة ، التي لا تزيد مساحتها داخل أسوارها علي كيلو متر واحد.. البيوت العتيقة يؤجرها أصحابها للمقدسيين ، ويبالغون في كرم وإكرام ومساعدة الضيوف ، ويودعونهم بالهدايا ليعودوا بالخير في العام القادم، وتمتد الصداقة بينهم .. مطالع حاراتها الضيقة المتعرجة بأسواقها المحلية ، وبلاطات الشارع الحجرية هي نفسها التي لمستها أقدام يسوع طفلا وشابا ، وهي طريق آلامه الذي ارتوي من نزيف جراحه وهو ذاهب لتنفيذ حكم الموت صلبا في الجلجثة .. ثم دفنه في القبر القريب داخل البستان ..الشوارع موجودة والقبر موجود لأنه بعد انتهاء عصر الاضطهاد الروماني للأقباط وجلوس الملك قسطنطين علي العرش في القرن الرابع الميلادي ، أمرت أمه الملكة هيلانة ببناء كنيسة القيامة فوق القبر الأصلي .. أما مفاتيح أبواب الكنيسة فتتوارثها باعتزاز عائلتان مسلمتان من الأردن لأكثر من 002سنة من أيام صلاح الدين الأيوبي .. باب منها صنع عام 8081طوله خمسة أمتار وعرضه ثلاثة وله قفلان الأول بحجم إنسان ، بينما يحتاج الثاني سلما لفتحه .. هذه الكنيسة تفتح أبوابها سنويا فجر السبت بعد طقوس الجمعة العظيمة التي صلب فيها المسيح ، لاستقبال آلاف المقدسيين حاملين الزهور والشموع ، مرنمين ، يتسابقون للفوز بمكان داخل أو خارج الكنيسة لحضور لحظة انطلاق النور فجر يوم الأحد من داخل القبر .. والقبر بالحجرة المغلقة بقلب الكنيسة .. ينطلق منه نور غير حارق في نفس توقيت ذكري خروج المسيح منه في اليوم الثالث للدفن وقيامته وصعوده إلي السموات .. مثلما خرج يونان – يونس- النبي في اليوم الثالث بلا فساد من بطن الحوت .. نور مبهر مقدس يضيء ولا يحرق لمدة 33دقيقة هي سنوات عمر المسيح ، بعدها يتحول النور إلي نار عادية !!.. هذه الظاهرة التي تذهل البشر حتي اليوم ، وتغمرهم سلاما وتثبت إيمانهم ، لها أدلة وشواهد وشهود عبر التاريخ وتذاع علي الهواء للعالم كله.. ويتم التأكد من صدقها سنويا .. حيث تفتح حجرة القبر صباحا وسط الجموع ، ويفتشها مدير الشرطة وحاكم القدس وحراس أمن يهود ساعة كاملة – واليهود لا يؤمنون أساسا بأن من صلبوه هو المسيح ، بل هم مازالوا في انتظار ميلاده !! – للتأكد من عدم وجود أي مادة أو أداة إشعال نيران .. ثم تختم السلطات الإسرائيلية القبر بالشمع والعسل ، وتقوم كل الجهات المسئولة ورؤساء وفود العالم بطبع ختمها الخاص علي هذا المزيج ، وبعد ساعات طقوس الصلاة الجماعية ، يتقدم مدير الشرطة وحاكم القدس لتفتيش مطران الروم الأرثوذكس بأورشليم لنفس السبب، وتجريده من زي الأسقفية الاحتفالي ما عدا من قميص أبيض ، ويفتح له باب القبر ليدخل وحده .. ثم تطفأ الأنوار ويتلو المطران صلواته ساجدا حتي ينبثق النور فيضيء حزمة الشموع بيده ليخرج بها فورا ، ويتلقاها مطران الأردن واليونان ومطارنة دول العالم و البلاد العربية ويسرعون بها بطائرات خاصة لبلادهم ، مع تزاحم آلاف الأيدي المرتفعة بالشموع تنشرالنور وتطلق الزغاريد المختلطة بدموع الرهبة ورنين أجراس كل كنائس القدس.. وتعم الفرحة والبركة ويغمر الحضور سلام الله العجيب.. ويشهد عليها ناكرو المسيح أنفسهم !.. فتشدَد يافضيلة المفتي ويابختك . نقلا عن مجلة آخر الساعة