الممتنع عن الطعام حتي الموت مجهول حاله. فيترك أمره إلي الله تعالي. والأصل أن يعامل معاملة غير المنتحرين» لأن الامتناع عن الطعام قد يكون لمرض الطبيعة فيه. وهذا معذور» لما أخرجه ابن ماجه والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر الجهني. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "لا تكرهوا مرضاكم علي الطعام فإن الله يطعمهم ويسقيهم". كما أن الناس المحيطين بالممتنع عن الطعام يشاركونه الحكم. فالإسلام كما أوجب أيضاً علي كل انسان مكلف ان يحفظ حياه نفسه أوجب أيضا علي كل مكلف قادر أن يحمي غيره. وأن يمنعه من إهلاك نفسه» لعموم قوله تعالي: "ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة" "البقرة: 95". و قوله تعالي: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" "النساء: 29". مع قوله تعالي: "وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان" "المائدة: 2". وفي جميع الأحوال فإنه يجب التنبيه إلي أنه يحرم علي المسلم أن ييأس من حاله مهما بلغت شدة الزمان» لعموم قوله تعالي: "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" "يوسف: 87". بل يجب أن يكون حسن الظن بالله هو الأصل في الاعتقاد الذي يجعل المسلم منتظراً الفرج بعد الضيق واليسر بعد العسر. وأن يكون متعلقاً بالأمل في الغد دائماً. فهذه سنة الله في أرضه حتي مع الأنبياء والرسل. قال تعالي: "حتي إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين" "يوسف:110". وكان النبي - صلي الله عليه وسلم - يقول. وهو يشير إلي حجر أمامه: "لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتي يدخل عليه فيخرجه" "رواه ابن أبي حاتم عن أنس" فأنزل الله عزوجل قوله سبحانه: "فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا" "الشرح: 5.6". ففرح النبي - صلي الله عليه وسلم - وقال لصحابته تعليقاً علي هذه الآية: "لن يغلب عسر يسرين. لن يغلب عسر يسرين" "أخرجه ابن جرير عن الحسن". والسبب في هذا أن العسر جاء معرفاً بالألف واللام في الحالين فهو مفرد بمعني أن العسر الأول هو نفسه العسر الثاني. وأما اليسر فقد جاء منكراً فتعدد بحيث يكون اليسر الثاني مخالفاً لليسر الأول. ومن هنا قال: "لن يغلب عسر يسرين". وقد حذر الإسلام من تمني الموت بسبب البلاء أو شدة الزمان. وعلمنا كيف نقول. فأخرج الشيخان عن أنس بن مالك. أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به. فإن كان لابد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي. وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي" وفي رواية عند أبي داود بلفظ: "لا يدعون أحدكم بالموت لضر نزل به. ولكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً. وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي". وبسبب هذا النهي عن تمني الموت لشدة الزمان فقد ذهب المالكية والظاهرية إلي تحريمه» عملاً بظاهر النهي. وذهب الجمهور إلي كراهته» رحمة بالضعاء. ولأن النبي - صلي الله عليه وسلم - ذكر المخرج والبديل بقوله: "فإن كان لابد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي. وتوفني ما كانت الوفاة خيراً".