كان شاهدا علي كل العصور بطريقته. يبحث طوال حياته عن الشهرة والستر. تتفق معه قليلا أو تختلف كثيرا فقد ظل طويلا نجما لامعا لا يسمح للزمن أن يطفئه. ليصبح ظاهرة في سماء الإعلام صحفيا ومحاورا. اختار "مفيد فوزي" عنوانا لكتابه "نصيبي من الحياة" فلم يقل كل ما عرف.. أخذ يتسلق شجرة الذاكرة وقد تعدي السبعين من عمره ومازال يحلم ويكتب. كان يبتعد عن السياسة ولكنها لم تتركه في حاله.. وجد نفسه ذات يوم "مرفودا" ممنوعا من أن يمسك بالقلم محرما عليه التفكير أو الجلوس في "سميراميس" فلم ينفعه صديقه "عبدالحليم حافظ" ولم يستطع أن ينسي أو يطرد مخاوفه.. يقول انه في زمن "عبدالناصر" كان عندما يجلس ينظر إلي أي كرسي أو أباجورة معلقة وعنده شعورا ان كل شيء يسجل انفاسه. فيلجأ الحاضرون إلي الموسيقي يديرونها في الغرفة حتي تختلط الأصوات.. كانوا يخافون من "سامي شرف" ورجاله أكثر مما يخافون من عبدالناصر نفسه. - في زمن السادات اغتني الأغنياء وافتقر الفقراء.. كان يريد أن يقول ان البلد في حالة بهجة ورفاهية ونعيم.. لم يكن أحد يستطيع أن يري ما بداخل الرئيس حتي فاجأنا بالحرب والنصر في أكتوبر. السنوات العشر الأولي من حكم مبارك كانت واعدة ولا يستطيع أحد أن يقول بأن ثلاثين عاما في حكمه كانت كلها بؤسا.. بالعكس! وهو يطلب الانصاف للرجل والهانم وانجازاتها في التعليم. ذاكرا حواراته معه ولقاءاته به وسفرياته علي نفس طائرته. يلقي باللوم علي زوجته ويقول لو انني أجريت مع مبارك حوارا بعد خروجه وأسأله: لماذا لم تستطع أن "تشكم بيتك وتصبح سي السيد"؟! حقا انه لم يكن مهتما بالسياسة نادما علي أيام عاشها لا يعلم ما يدور في الكواليس ولم يكن مهتما بشغل "البولوتيكا" في حياته. عندما ذهب مفيد فوزي لإجراء أول حديث له مع الرئيس حسني مبارك ولم يكن قد سبقه أحد إلي ذلك. كان أول سؤال: يافندم. ماذا في بؤرة تفكيرك؟ قال له: ايه بؤرة دي. عاملة زي غرزة.. اختار يا أخي كلمات أبسط من كدة. وكان له مع مبارك سبعة حوارات حرص وزير الإعلام ألا يكون في الاسئلة "نكد".. ويقول ان أي إعلامي في مصر كان يحلم باشارة وأنا رجل مهذب ولا أريد أن أقول اسماء 26 شخصا ظلوا يتمنون الحوار مع مبارك. كانت آخر أحاديثه التليفزيونية قبل الثورة بأيام مع وزير الداخلية حبيب العادلي وتلك عادة سنوية لم تنقطع.. وله مع من سبقه من وزراء للداخلية حوارات. ومع انه أفرد فصلا من كتابه عن بعض معاركه فإنها لم تكن قتالا وإنما ابرزها قدمه كانت حكاية سعاد حسني وعبدالحليم حافظ. يذكر فضل كثيرين عليه وتأثره بهم. ثقة في نفسه ورغبة في سداد ديونه وأولهم أمه في مواجهة أبيه الذي كان يحارب رغبته في الصحافة.. ثم كتاب محمد حسنين هيكل "إيران فوق بركان".. ومدين لكامل الشناوي الذي احتضن موهبته وجليل البنداري الذي فتح له باب النجوم الساحر أول ما قابله شتمه بالأب والأم فلما بكي قال له كامل الشناوي ان عربون حب "جليل" هو هذه الشتائم ولذلك نسميه "جليل الأدب" وللمفكر "سلامة موسي" والفنان حسن فؤاد الذي عينه رئيس التحرير احمد بهاء الدين وأول من كتبه اسمه في "صباح الخير". بيته الذي كان أسرة فيها الأب والأم والأولاد. كانوا جميعا "أولاد السيدة روزاليوسف" التي كانت تأتي أحيانا فيهز صوتها ارجاء المكان وللروائي فتحي غانم الذي اكتشف قدرته علي الحوار الصحفي والثعلب الطيب الكبير "محمود السعداني" لمواقفه الإنسانية منه وهو مفصول.. وعبدالحليم حافظ الذي أخذه صبيحة يوم الفصل لصلاح نصر مدير المخابرات وقتها ليقول له: لو كان مفيد فوزي يتآمر علي مصر أو يكتب منشورا ضد الرئيس فهو يفعل ذلك في بيتي.. و"موسي صبري" الذي طلب منه وهو مفصول ان يكتب حوارات مع الفنانين بدون التوقيع باسمه في مجلة "الجيل" التي كان يرأس تحريرها مصطفي أمين الذي منحه جائزة الصحافة التليفزيونية و"سامية صادق" التي نقلته من محطة الاعداد التليفزيوني إلي مقدم البرامج التي يعدها و"آمال العمدة" رفيقة مشوار حياته.. وآمال فهمي التي منحته فرصة كتابة الفوازير لقرابة عشر سنوات و"مديحة نجيب" التي خرج من خلالها صوته عندما رأست إذاعة الشرق الأوسط مقدما "خواطري علي الهواء" والإعلامي "طاهر أبوزيد" مثله الأعلي في الحوار والدكتور "أحمد زويل" الذي علمه وهو يتسلم جائزة نوبل من ملك السويد أن يستبدل كلمة الحظ في الحياة بالجهد المضني والعيون الساهرة والعقول المهمومة بالإنسانية ولعالم الاجتماع "سيد عويس" الذي تعلم منه ان حرب اعداء النجاح بمزيد من النجاح. وهناك من احبهم وافتتن بهم واعجبوا به وافتتنوا به. هل نسي مفيد فوزي أحدا؟ أم أن لنادية لطفي مثلا مقاما خاصا عنده ولها حكايات وقفت بجواره وقفة راجل.. وآخرين وآخريات أولهم استاذه أحمد بهاء الدين والاصدقاء والدكاترة علي السمان وجابر عصفور وله مواقف وحكايات مع مصطفي الفقي ومن تذكرهم أو نسيهم وهو يطلع الشجرة. لم يعد سرا انه صاحب موقعة جائزة نوبل "نجيب محفوظ" يوم فاز بها يوسف ادريس الذي رأي انه أولي بها. ويروي حكايات عن صراع المطربين وكيد النسا بين المطربات والممثلات وعالم النجوم السفلي. ولأنه لا يهتم بالبولتيكا - أو لعله يهتم ويدعي - أخذ يصنف بعض اقطابها. قال عن البرادعي انه لا يعرف مصر.. ووائل غنيم نجم الفيس بوك فقط.. وعمرو موسي شخصية اعتبارية لا نحكم عليه بما آلت عليه الجامعة العربية وفاروق حسني وزير قدم للبلد الكثير وانكار هذا قلة أصل وأحمد عز اساء لمصر تماما وحبيب العادلي وزير استطاع ان يحمي البلاد من الإرهاب سنوات وما تلك إلا نماذج تدلك علي افكار مفيد فوزي. أمضي فترة طويلة من حياته في الصحافة لا يعلم أحد ما هي هويته الدينية فاسمه لم يكن "بطرس" أو "حنا" لم يكن يهتم أحد بالسؤال عن دينه.. ولقد عاشت ابنته "حنان" التي تعمل صحفية ولها مقال عنه بعنوان "أبي فوق الشجرة" في منزل به كتابان كبيران جنباً إلي جنب يتصدران الصالون الأول أهداه البابا شنودة لوالدتها وعليه امضاؤه والثاني هو المصحف الشريف كاملا اهداء من فضيلة الشيخ الشعراوي حينما أجري حديثا معه نشر علي ثلاثة اعداد من مجلة "صباح الخير" عندما كان رئيسا لتحريرها وكان هذا سلوكا طبيعيا نسمع الاذان والتكبيرات بخشوع ونقضي ليالي رمضان مع بعضنا البعض متزاورين متحابين.. لكن في زماننا هذا الآن رفض السلفيون الوقوف حدادا علي البابا شنودة في مجلس الشعب! سئل: هل انت متفائل أم متشائم بمستقبل مصر؟ قال: أنا متفاشم.