* * احتجب قلمي بامتداد خمسة وستين اسبوعا بما يوازي خمسة عشر شهرا وأحد عشر يوما بالتمام والكمال وأعترف ان هذا الاحتجاب كان كرها وطواعية في آن واحد. فمازلت اذكر مكالمة رئيس التحرير الاسبق علي تليفون منزلي الأرضي بعد عصر يوم الجمعة السادس من مايو بعد اندلاع ثورة يناير بثلاثة اشهر وفي اعقاب نشر مقالي تحت عنوان "الصحافة القومية".. يومها تركني رئيس التحرير علي السماعة ما يقرب من عشرين دقيقة قبل أن يستجمع قواه وتنطلق كلماته سريعة متلاحقة مثل طلقات الرشاش بشكل لم استوعب معه سوي عبارته المركزة: "يا أستاذ شكري أنا مش عايز مقالك" وقبل أن أعقب بادرني قائلاً: "وإذا اردت أن تشكوني للمجلس العسكري لا تنس أن تخبرني حتي أذهب معك. ومعلهش بأه أصل أنا عندي هوسهس بيشتغل الساعة خمسة وعشر دقايق مشيرا إلي وقت انتهاء المكالمة". وقبل أن أفكر ماذا أنا بفاعل. فإذا بالزميل رئيس مجلس الإدارة الأسبق يحدثني علي الموبايل بعد مرور دقيقة واحدة علي مكالمة رئيس التحرير ليناقشني في مضمون المقال الأزمة. وبعدها أدركت أن الثورة المضادة قد انقضت علي الصحافة القومية. وان اختيارات الدكتور يحيي الجمل المسئول عن ملف الصحافة في حكومتي شفيق. وشرف كانت تصب في مفاصل الدولة العميقة بهدف تفريغ ثورة يناير العظيمة من مضمونها علي غرار سيناريو الثورة الرومانية عام 1989. وما هي سوي شهور قليلة حتي بدا واضحا ان الجمهورية الجريدة والمؤسسة قد استحوذت علي مقعد الريادة بين الصحف القومية في قيادة الثورة المضادة. * * لم يساورني الشك لحظة واحدة في عدم استمرار قيادات يحيي الجمل علي مقاعدهم. وبالفعل رحل رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عن دار التحرير في أعقاب تغييرات الشوري يوم الثامن من اغسطس الماضي. ولكن قيادات الأجهزة الأمنية والمخابراتية السابقة وفي مقدمتها أمن الدولة والرقابة الإدارية نجحت في فرض بعض رؤساء التحرير الجدد أو بمعني أدق خدعت المسئولين عن اختيارات هذه القيادات. ولأني احترم الشرعية فقد فكرت بصوت عال مع المسئولين الاساسيين عن هذه الاختيارات لكوني أحد المتضررين منها وهذا موضوع آخر. وبعد ان تم تصحيح الأوضاع وتولي الزميل العزيز "السيد البابلي" رئاسة التحرير قررت العودة للكتابة. خاصة بعد أن شرفني شيخ الكتاب أستاذنا محمد العزبي باهداء رفيع من أربع كلمات.. خاطبني الاستاذ العزبي عبر الغلاف الداخلي لكتابه "كناسة الصحف" قائلاً: "افتقدت مقالاتك.. سوف تعود". الجدير بالذكر اني أكتب منذ حوالي ثلث قرن. ويعود تاريخ نشر أولي مقالاتي بالجمهورية إلي يوم التاسع من نوفمبر عام 1981 عندما كان بعض رؤساء التحرير الجدد في المدرسة الابتدائية..!