* ما يحدث في مصر يطرح تساؤلات كثيرة لعل أهمها : أين عقلاء مصر وحكماؤها مما يجري.. ولماذا لا يتدخلون قبل تفاقم الأمور ووصولها لدرجة الخطر.. وماذا يفعل هؤلاء الذين يحيطون بصائع القرار إذا لم نلمس لرأيهم أثراي فيما يصدر من قرارات وما يجري من أحداث تتصاعد وتيرتها وتداعياتها بصورة خطيرة. * لقد كان لثورة يناير الشعبية الفضل في عودة الروح للمصريين وإيقاظ وجدانهم ودفعهم للمشاركة في بناء وطنهم ليتبوأ ما يستحقه من مكانة وريادة طمستها أيدي الاستبداد في عهود سابقة.. لقد انطلق المصريون - عندما واتتهم الفرصة -يشاركون بأعداد غير مسبوقة في الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية الماضية بعد أن أحجموا طويلاي عنها لفقدانهم الثقة في جدواها وذمة القائمين عليها وإحساسهم بأنه لا وزن لرأيهم ولا تأثير لكلمتهم.. وأخشي أن يعودوا في ظل ما نراه اليوم من انقسامات وتشكيك يمارسه جميع الأطراف..أخشي أن يعودوا لسيرتهم الأولي في العزوف والسلبية تحت وطأة الاستقطاب الحاد والاحتقان الذي يبسط أذرعه بطول البلاد وعرضها.. والذي ينذر إذا استمر علي هذا النحو بحرب أهلية أو حرب شوارع كما يري البعض تغرق البلاد في دماء ودمار ندعو الله ألا يقعا وأن يحفظ مصر وأهلها من الفتن ما ظهرمنها وما بطن. * لا شك أن ما تمر به مصر الآن يستلزم إبداء الأطراف كافة مرونة لإحداث حد أدني من التوافق. وتجنب ما ظهر من انقسامات لم تقتصر علي القوي والتيارات السياسية المختلفة بل طالت - وهذا مكمن الخطر- مؤسسات الدولة و النقابات المهنية والفئات المختلفة حتي باتت حدة الاستقطابات تضرب كل ما يبذل من جهود لنشر الاستقرار ووقف النزيف الهائل للاقتصاد الذي بلغ ذروته بخسائر فادحة للبورصة جاوزت المليارات مطلع هذا الأسبوع. كما عصفت بالاندماج الوطني الذي بات هو الآخر في مرحلة خطيرة غير مسبوقة. ماذا نريد من الأغلبية..والأقلية ؟! * ما تحتاجه مصر الآن لإنجاز تحولها الديمقراطي المنشود هو التخلي عن إعجاب كل ذي رأي برأيه. وألا تمارس الأغلبية و الأقلية علي السواء أي ديكتاتورية في حق الطرف الآخر.. وأن تحترم الطائفتان إرادة بعضهما البعض. فربما تصبح أقلية اليوم أغلبية الغد وربما تصبح أغلبية اليوم أقلية الغد ما دام الجميع ارتضي بحكم الصندوق وإرادة الشعب.. علي الأغلبية ألا تستضعف الأقلية وألا تحكم جميع الأمور بمنطق المحاصصة..فثمة أمور - كالدستور مثلا- ينبغي أن تنأي عن الأوزان النسبية المتغيرة لكل فريق وأن تخضع لقيم مجتمعية تتسم بالثبات والدوام.وأن تحرص كلتا الطائفتين علي تعظيم القواسم المشتركة بين جميع الفئات والطبقات.. وأن تبدي الأقلية -علي الطرف الآخر- معارضة موضوعية لا تتشبث بالرأي أو الهوي وأن تعلي مصالح الوطن وألا تمارس ديكتاتورية مضادة وأن تبدي مرونة أكثر ونفساي طويلاي يحتاجهما النضال السياسي.. ولا تتحقق المكاسب دون التحلي بها دون تفريط ولا مغالاة.. نريدها معارضة واعية منظمة لا تلتمس العناد بل تحرص علي الالتقاء في منتصف الطريق وإذا أبدت الأغلبية رغبة في التقارب ذراعاي تبدي الأقلية الرغبة ذاتها باعاي لتتحقق وسطية الحلول.. وعلي الجميع أن يحترم القانون والدستور. * لقد ثار شعبنا علي دستور 1971 الذي سقط بعد أن أخضع كل شئ لإرادة الحاكم واختصر الدولة كلها في شخص هذا القائد الفرد الملهم. وهوما أتاح للرئيس السابق البقاء في سدة الحكم 30 عاماي.. انتفض الشعب بعدها علي التأبيد والتوريث و الفساد والديكتاتورية. وطالب بدستور جديد يتحاشي مغبة السقوط في أمراض الاستبداد مرة أخري.. دستور يجعل الحاكم رئيسا بدرجة موظف وليس فرعوناي إلهاي. دستور يقلص الصلاحيات لدرجة لا تغري بصناعة فرعون جديد ولا مستبد آخر حتي لوكان عادلاي.. دستور يحول دن انخراط الحاكم - أي حاكم - في دائرة الطغيان. * وأحسب أنه لا خلاف علي أن روح الديمقراطية التي نريدها هي ديمقراطية الشفافية والحكم الرشيد.. ديمقراطية الشعب الواعي بحقوقه وواجباته. الفاهم لما يدور حوله وليس الأفراد الذين يساقون لصناديق الانتخابات بلا إرادة. مدفوعين باحتياجات لا تشبع. وأهداف لا تتحقق ومقاصد ما أنزل الله بها من سلطان. * لقد ضاق الشعب ذرعا بمتاعبه وهمومه التي لا يشاركه فيها هذه النخب المتصارعة علي شاشات الفضائيات وفي وسائل الإعلام.. لا سيما الطبقات الدنيا الغارقة في الفقر من أخمص قدميها حتي منبت شعرها والتي لا تقوي علي الصبر حتي تهدأ صراعات الدستور وتصحو ضمائر المنفلتين الذين لا يرون سوي مصالح أنفسهم ومن بعدهم الطوفان.. فهل تشعر هذه الفئات التي تكابد في الحصول علي لقمة العيش بالأمن علي مستقبلها إذا كانت تفتقده أصلا في يومها.. هل جني الفقراء - وما أكثرهم - ثمار الثورة وأمانيها وسقوفها التي بلا سماء.. هل تحقق ما خرج الشهداء لأجله !؟. * ما يحدث منذ قيام الثورة من انفلات وتطاحن أخرج أسوأ ما عندنا يدعونا لوقفة عاجلة مع النفس. للإجابة عن سؤال دقيق : ماذا سوف يحدث لو استمر حالنا علي هذا الانقسام.. أليس تدارك الخطأ ودرء المفاسد مقدماي علي جلب المصالح.. ؟! لا شك أن المعركة خاسرة لكل أطرافها إذا لم تكن في سبيل هذا الوطن.. وهل من مصلحة أي وطن أن يتقاتل أبناؤه حتي لو صلحت نواياهم واختلفوا ليس علي الغايات والأهداف كما يقول البعض بل علي الآليات والوسائل.. ؟! * ياسادة.. وقف الخلافات والانقسامات والصراعات بات فريضة غائبة يأثم في حق نفسه ووطنه وأجيالنا المقبلة من يصر علي تأجيجها بإجراءات تتصادم مع مبادئ الأديان وما قامت لأجله الثورة من أهداف في صدارتها الحرية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون والفصل بين السلطات.. ألم يئن الآوان ليبحث كل منا في داخله عن مصلحة مصر فيما يجري.. متي ننخرط جميعا في حب هذا الوطن.. أين المشروع القومي الذي يستثير كوامن القوة في أبناء هذا الوطن.. متي نبدأ إذا لم نبدأ الآن.. متي ننتج إذا لم ننتج الآن.. من سيعطينا درهما أو دولارا إذا أفلت منا الزمام وضاعت منا الفرص تلو الفرص.. وما فائدة جدل يوغر الصدور ويخلق العدوان ويسيل الدماء ويوسع الخرق في ثوب الوطن.. ماذا جلب الخلاف سوي الفرقة والضعف والبغضاء والانقسام..لقد أصبحنا أمة في خطر رهيب تحتاج لإنقاذ عاجل قبل فوات الآوان. إن ما يحدث الآن من تداعيات خطيرة يتطلب النظر إلي مصلحة مصر أولا ووضعها فوق أي اعتبارات أخري والنزول عند إرادة الشعب.