* عن المسافة بين الحلم والواقع في "أرض الأحلام" أمريكا. وماذا يفعل القادم إليها ليحمل جنسيتها. خاصة إذا كان أسمر اللون أجعد الشعر لا ينتمي إلي "الجنس الأبيض".. هذا هو ما يطرحه علينا فيلم "المواطن" أو "CITIZEN" الأمريكي الجنسية في عرضه العالمي الأول بمهرجان أبوظبي مساء الأحد الماضي. الفيلم هو أول بطولة لفناننا المصري خالد النبوي في السينما الأمريكية. قبله قدم مجموعة من الأدوار في أفلام مهمة عمل فيها مع مخرجين مهمين مثل: ريدلي سكوت وغيره وكان آخر هذه الأدوار -المساعدة- دوره في "اللعبة العادلة" عام 2010 في دور عالم ذرة عراقي يضطر للهروب من بغداد بعد الغزو الأمريكي لها.. هذا الفيلم "المواطن" يقوم النبوي بالبطولة المطلقة. في دور "إبراهيم الجراح" الشاب اللبناني الذي قتل والداه في الحرب الأهلية بلبنان. وتجول بين أربع دول عربية في رحلة بحثه عن عمل. واكتسب خبرات جيدة. خاصة في ميكانيكا السيارات. وقرر صناعة مستقبله في أمريكا بعدما أفلح في الفوز بقرعة الهجرة التي يتقدم لها الملايين من العالم سنويا ويفوز فيها الآلاف. وفي مكتب الجوازات يوقفه الضابط طالباً منه إحضار ابن عمه "رشاد" الذي كان ضامنه في الإقامة. لكنه لا يجده ويضطر للكذب حتي يجد ابن العم. ويلجأ إلي أول بنسيون رخيص للإقامة. وهناك ينقذ فتاة من براثن صديق لها اعتدي عليها ولجأت إلي غرفته. وهو ما يدفعها لمحاولة مساعدته فيما بعد. خاصة بعد انهيار برجي التجارة العالمية في 11 سبتمبر 2001 وما حدثه من ترويع في نيويورك جاء رد فعله بسرعة وهو موجة كراهية للعرب والمسلمين والمختلفين في المجتمع.. ويقبض علي "إبراهيم" ويعتقل لمجرد الشكوك في قدومه في هذا التوقيت.. ولأن اسمه يتشابه مع "زياد الجراح" أحد المتورطين في الحادث. إضافة إلي اكتشاف البوليس كذبه بشأن "رشاد" قريبه.. وحين لا يصل البوليس لأية دلائل علي تورط "إبراهيم" يفرج عنه بعد ستة أشهر بلا محاكمة. ولا حقوق. ولا اعتذار بل مع التكتم علي وجوده أساساً وهو ما يدخله في دوائر من الغضب والإحباط الشديد وهزيمة نفسية وإنسانية تجرعها لسقوط فكرة "الوطن الجديد" أو "الأرض التي تسع الجميع" لكن "دايان" الفتاة التي أنقذها تنقذه هذه المرة وتوجد له عملا لدي أمريكي هندي يمتلك سوبر ماركت. والذي يغلق متجره بعد تعرضه للسرقة والضرب في ذات الوقت الذي يطرد فيه "إبراهيم" أيضا من بيت صديقته بعد أن استضاف آخر دون إذنها فسرقها. وهكذا يجد "المهاجر" نفسه بلا مكان أو عمل ليواجه حادثة مثل آلاف من حوادث العنف في الشوارع الأمريكية لعصابة كادت تقتل شابا والجميع يتفرج إلا هو.. ويكون نصيبه إصابات ومستشفي وصلح مع الصديقة التي أدركت انها فرطت في بطل بعد أن نشرت الصحف وصور التليفزيون ما حدث من بطولة إبراهيم ودفاعه عن رجل لا يعرفه.. وهو مكسب "اعلامي" أضاف إلي البطل ورقة هامة في معركته الأهم في نهاية الفيلم ضد سلطات الهجرة التي طلبت إبعاده لخطورته علي الأمن القومي. وحيث أصبح له أصدقاء أقرب إلي "اللوبي" بداية من اقناع محام مهم بقبول قضيته مجاناً إلي التظاهر أمام المحكمة ضد القوانين الظالمة ورجال تنفيذ القانون. وبعد مرافعة بليغة عن نفسه "كما أقنع إبراهيم محاميه" ومواجهته لممثل الادعاء من خلال بنود الدستور الأمريكي.. يحصل إبراهيم علي جنسيته الجديدة. ويتركنا الفيلم ونحن سعداء بدستور لا يفرق بين البشر في الدين أو اللون أو الجنسية. ربما يكون هذا دعاية للدستور ولأمريكا. ولكنه يذكرنا -ونحن نضع دستورا مازال في مرحلة الخلاف علي بنوده- بأن هؤلاء الذين أفلحوا في كتابة دستور يسع الجميع ويجمعهم. هم الذين يحكمون العالم اليوم. مع ذلك فالفيلم أساساً يطرح صورة مختلفة للمواطن القادم لأمريكا من أصول عربية وإسلامية. يطرح تراثه الحضاري والديني المليء بالقيم الإيجابية والأخلاقيات الإنسانية لمساعدة الغير وإغاثة المقهور وأيضاً الجدية في العمل. وربما أخلي سيناريو الفيلم ساحة بطله من شخصيات معقدة ومزعجة في واقعه الجديد علي النحو الذي يمثل له تحديات أكبر مما رأيناه. كتب السيناريو ثلاثة هم: جاسين برادن وسمير يونس بالاشتراك مع سام قاضي مخرج الفيلم الذي شارك في انتاجه أيضاً.. إلا اننا إزاء عمل مختلف عن شخصية خلافية في السينما الأمريكية. سلبياتها في المقدمة ودمغها بالارهاب والتطرف ومحبة العنف هو الغالب.. ومن هنا يأتي "المواطن" ليكون -ربما- الصفحة الأولي في كتاب سينمائي أكثر حيادية وعدالة في النظر للأمريكيين العرب. حتي لو كان هذا بيد هؤلاء حيث ان سام قاضي المخرج والمشارك في الانتاج والسيناريو للفيلم من أصل سوري. درس الإخراج والسينما في أمريكا وقدم عدداً من الأفلام الروائية القصيرة قبل أن يحصل علي جائزته الأولي عن أول أفلامه الطويلة "نشأ وحيدا" عام 2009 من مهرجان نيويورك السينمائي للسينما المستقلة. وفي "المواطن" ميزانية شبه مستقلة عن الانتاج السخي والكبير. وإن كانت هذه ميزة هنا لأن استديوهات هوليود لن تصحح صورة العرب والمسلمين بأموالها التي يسيطر عليها الأموال اليهودية.. وقد شارك في التمثيل الممثل الأمريكي الكبير ويليام أتيرتون في دور المحقق الذي ظهر في بداية الفيلم وفي نهايته معه "أجنيس بروكنر" في دور صديقة إبراهيم والممثل الباكستاني رزوان منجي في دور "مو" صاحب السوبر ماركت.. أما خالد النبوي فقد قدم دورا جيدا لم يعبه إلا خلطه في النهاية وهو يدلي بشهادته في المحكمة بين دور المتهم الذي يدافع عن نفسه. ودور الناشط السياسي الذي يذكر الجميع بقيم الدستور.