انتهت الكلمات كما انتهت حياة صاحبها دون كشفه أى تفاصيل أو تسجيلها، كما فعل باقى رفاقه من أعضاء مجلس قيادة الثورة، ليستحق بذلك لقب (الصامت الصائم عن الكلام)، الذى أطلقه عليه الصحفيون والمفكرون.. بعد ابتعاده عن الأنظار عقب هزيمة يونيو 67، وخروج مظاهرات ترفض تنحى جمال عبدالناصر عن السلطة وتهتف ضد رغبة عبدالناصر تولى زكريا محيى الدين السلطة، لم يدل الرجل بأى تصريحات صحفية، ربما مرة واحدة تحدث فيها باقتضاب إلى الصحفى الراحل عبدالله إمام، رئيس تحرير صحيفة العربى الناصرية، كما جلس ذات مرة مع الكاتب محمود صلاح لتصحيح بعض المعلومات التى وردت عنه فى مجلة آخر ساعة أثناء تولى صلاح رئاسة تحريرها. تقول جريدة المصري اليوم في عددها الصادر الأربعاء: نائب الرئيس، ورئيس الوزراء، ووزير الداخلية، ووزير داخلية الوحدة ما بين مصر وسوريا، ومدير المخابرات الحربية، ومؤسس جهاز المخابرات المصرية، ومدرس التكتيك العسكرى بمدرسة أركان حرب، هذه بعض المسميات الوظيفية التى وصل إليها البكباشى زكريا محيى الدين، المولود فى كفر شكر بمحافظة القليوبية عام 1918 وخريج المدرسة الحربية عام 1938 ورغم أهمية وخطورة المناصب التى تقلدها، فإن الرجل ظل حبيس صمته طوال عمره، ليموت ومعه خفايا مجلس قيادة الثورة، الذى كان أحد أبرز أعضائه. "لم أعرف شيئا عن إعلان جمال عبدالناصر تنحيه.. واستمعت إلى خطاب تنحيه وتكليفى بالرئاسة كغيرى من المصريين.. وكان من الصعب جدا أن أصبح رئيسا للجمهورية وأتحمل أخطاء لم أشارك فيها من قريب أو بعيد".. كان هذا هو تعليق محيى الدين، الذى تولى أعمال رئاسة مصر لسويعات قليلة. كانت هذه تصريحات قليلة، اخترق بها حاجز الصمت الطويل الذى عاشه، وكان من تلك التصريحات: "لا أستطيع أن أتجاهل أو أنكر تجاوزات الثورة، لكن الظروف فرضت علينا الكثير، وكان من الطبيعى أن تؤمن الثورة نفسها خاصة أن الأحزاب السياسية كان قد انتهى دورها بالفعل?، ونحن لا نختار أقدارنا?..? ولكن الأقدار هى التى تختار"?. بدأ البكباشى زكريا محيى الدين حياته المهنية فى كتيبة بنادق بالإسكندرية، عام 1938، وانتقل منها إلى منقباد، التى تعرف فيها على الرئيس جمال عبدالناصر، ثم سافرا سويا مع باقى أفراد الجيش المصرى إلى السودان، ثم فلسطين، التى كان له فيها شأن كبير، حيث شارك فيها بصفته أركان حرب، وكان همزة الوصل، هو وصلاح سالم، ما بين القوات المصرية، وقوات الجيش المحاصرة فى الفالوجا، وكانا يوصلان الطعام والرسائل إليهم. على الرغم من دور زكريا محيى الدين فى مجلس إدارة الثورة، فإنه لم ينضم إلى مجلس قيادتها إلا قبل 3 أشهر من اندلاع ثورة يوليو 1952، لكنه شارك فى تنظيمها، وكان على صلة وثيقة بكل أعضائها، وقد صرح فى إحدى المرات بأن جمال عبدالناصر كان المسؤول عن تقسيم مهام أعضاء مجلس قيادة الثورة، وأن أنور السادات لم يقم بدوره فى قطع الاتصالات التليفونية بين قيادات الجيش والقصر الملكى. لم يعلن زكريا محيى الدين عن رأيه فى الأحداث التى مرت بها مصر، أو يبدى فيها رأيا، حتى ثورة 25 يناير، بل ظل على صمته، والجلوس فى فيلته المجاورة لفيلا حسين الشافعى، عضو مجلس قيادة الثورة، نائب الرئيس جمال عبدالناصر حتى شهر يناير 1971، وكانا - بحسب د.محمود القيسونى، نجل الدكتور عبدالمنعم القيسونى وزير الاقتصاد الأسبق- يحرصان على التريض سوياً وممارسة رياضة المشى فى نادى الصيد.