لم أجد أنسب من هذا العنوان للكاتب الكبير أنيس منصور من كتابه عن الرئيس عبدالناصر لكي أضعه عنوانا لهذه الكلمات التي أعرف مسبقا أنها قد تثير حساسية لدى الكثيرين و قد تكون سابقة لأوانها والجروح ما زالت مفتوحة. و الموضوع كما هو واضح من العنوان يتعلق بالأزمة الكبيرة الحادثة حاليا بين أفراد كثيرين من الشعب وبين جهاز الشرطة. و من وجهة نظري المشكلة تتمثل في نقطتين أساسيتين، أولهما نقطة عامة تتعلق بكل ما يطرح على الساحة حاليا و هي وجود ملايين التجارب السياسية الوليدة لدى الشباب و التي خلقت يوم 25 يناير و لم يمض على وجودها سوى أيام معدودة، و هذا الوليد ضعيف مشتاق إلى المعلومة و مشتاق إلى ممارسة التجربة الجديدة المثيرة، وفي نفس الوقت فهو يصرخ بأعلى صوت فرحا وخوفا، هذه التجارب تتأثر بشدة بالآراء المختلفة وتتفاعل بها سلبا و إيجابا، و تتصرف بعاطفية شديدة دون تجارب سابقة تتيح الحكم الموضوعي أو مقارنة المتغيرات المختلفة، و بالطبع فإن هذه العقول الشابة هي التي تمثل في وجهة نظري الأمل الكبير في المستقبل و الحماية الأكيدة لمكتسبات الثورة مهما قيل عن نظريات الثورة المضادة و غيرها، و لكن المشكلة الوقتية أنه من الصعب الوصول لموقف واحد ثابت يوحد الأغلبية ومن الصعب الوصول إلى حلول وسط تقبل بعض التنازلات مقابل أمور قد يعتبرها الآخرون أكثر أولوية مثل الأمن. أما النقطة الأخرى فهي سوء الفهم الشديد لدرجة العداء بين الطرفين و عدم التماس الأعذار و افتراض سوء النية، و لكي نبدأ... نؤكد بأن جهاز الشرطة قد فقد هويته في السنوات الأخيرة و تكبر و تجبر الكثير من العاملين فيه، و أنا شخصيا كان لي بعض المواقف المؤسفة مع بعض أفراد هذا الجهاز سابقا، و النقطة الأخرى المؤكدة أن أفراد هذا الجهاز قد تلقوا درسا قاسيا بل و في منتهى القسوة في خلال أحداث الثورة أيقظهم على حقيقة أن وجودهم و كيانهم و سلطتهم مستمدة من الشعب الذي يعطيهم الشرعية وعندما سحبها منهم دب الشلل في جميع هيئات الداخلية. و الآن دعنا نحاول الإجابة على بعض الأسئلة الجوهرية في هذا الخلاف: 1. هل يوجد بديل للشرطة (اللجان الشعبية أو الجيش)؟ من واقع التجربة الجيش غير قادر و غير فعال في أداء مهام الشرطة، و اللجان الشعبية كادت تتحول لمأساة لولا توقفها في الفترة الأخيرة. 2. لماذا لا يقوم وزير الداخلية بإقصاء الصف الأول والثاني من القيادات لأنها كانت تمثل جزءا كبيرا من فساد الجهاز؟ في تصوري أنه في جهاز حساس مثل الشرطة ليس من السهل الإقصاء المفاجئ لهذه القيادات، ولنأخذ في الاعتبار أنه في الأسبوع الماضي تمكن 500 أمين شرطة مفصول من إشعال النار في وزارة الداخلية و إثارة كثير من الفزع فما بالك بمديري أمن و مساعدي وزير الداخلية بما لهم من علاقات بضباط آخرين تحت إمرتهم أو من أقربائهم أو حتى بالبلطجية و المجرمين و مثيري الشغب. 3. و لكن لا أحد يقبل أن تستمر هذه الوجوه: طبقا لما رأيناه في الفترة الماضية فالإقصاء التدريجي بدء بالفعل و هناك الكثيرون من الباقين في مناصبهم يتم الحد من سلطاتهم بالتدريج حتى يتم التخلص منهم في خطة أتصور أن الجيش يتابع تنفيذها. 4. لماذا يصر وزير الداخلية في تصريحاته الإعلامية على نغمة العناصر المندسة و يصر على براءة الشرطة؟ مما لا شك فيه أن تصريحات الوزير يشوبها الكثير من عدم الخبرة في التعامل مع الإعلام، مما جعله يخطأ هذا الخطأ الفادح الذي قد يؤدي به إلى الرحيل من الوزارة، و لكن من الجانب الآخر فالوزير يحتاج بشدة لولاء الضباط و التفافهم حوله لأسباب كثيرة أهمها ما ذكرناه في الفقرة السابقة، و لا يستطيع في أي حال من الأحوال أن يخرج في الإعلام ليهاجمهم و يلمع نفسه إعلاميا على حسابهم. و لعل من أبرز الأمثلة لذلك ما رأيناه من مدير أمن البحيرة و هو يصف الضباط بأسياد المواطنين و هو الخطأ المهول الذي استدركه بعد ذلك في حديثة عن احترام المواطن في الجزء الذي تم قطعه من الفيديو و الذي تم نشره لاحقا، و هنا أحب أن أوضح نقطة، ما كان مدير أمن البحيرة يحاول فعلة هو تنشيط الروح المعنوية للضباط بطريقة قد لا يفهمها إلا من شارك في فريق للعبة رياضية و رأى كيف يتعامل المدرب مع لاعبيه، المسألة هنا شبيهة بترويض الأسود، يجب أن تكون شديدا، خشنا ليعلي روح الانتماء، فهو يجد أمامه بعض الضباط المتخوفين من النزول في الشارع و يحاول تشجيعهم بالطريقة الوحيدة التي تعلمها. 5. و لكن هل تعتقد أن مثل هذه الطرق القديمة سوف تجعل الضباط يدركون مبادئ حقوق الإنسان و يتعاملون مع المواطنين بالاحترام اللازم؟ في الحقيقة لا أعتقد أنهم سوف يدركون في الغالبية العظمى منهم، ليس قبل فترة طويلة وليس قبل تخريج دفعات جديدة، و في الحقيقة أيضا أننا لا نحتاج منهم أن يدركوا، ما نحتاجه هو وجود رقابة صارمة لا تترك الأمور لإدراك كل ضابط و معتقداته، هذا الجهاز الرقابي يجب أن يتبع جهة أخري غير الداخلية و يكون له سلطات واسعة في التحقيق والعقاب، و في رأيي أن إنشاء هذا الجهاز و إعلان وظيفته ومهامه للمواطنين قد يكون أول و أهم خطوات التهدئة. 6. لماذا لا يتم حل بعض الأجهزة مثل الأمن المركزي و مباحث أمن الدولة: الإجابة على هذا السؤال من نقطتين: الأولى نحن قد وثقنا في الجيش ليدير هذه الفترة الانتقالية، و ليس كل الأمور مما يمكن إعلانه، من المؤكد أن الجيش لديه أسباب وجيهة للإبقاء على أي جهاز، و على سبيل المثال، و تبعا لإتفاقية كامب ديفيد الموقعة مع إسرائيل فإن الجيش المصري غير مصرح له بالتواجد في سيناء و لهذا يتم الاستعاضة عنه بالأمن المركزي و هذا سبب من أسباب تضخم أعداد الأمن المركزي و تسليحه، وبالطبع فإن هناك أمثلة كثيرة أخرى غير معلنة. و النقطة الثانية أنه من المؤكد أن هذه الأجهزة قد انحرفت عن مسارها، و لكن هذا لا ينفي أهمية وجودها لتأدية دورها الحقيقي في حماية الشعب وإرساء الأمان. 7. و لكن لماذا نظل نشاهد فيديوهات عن سوء معاملة الشرطة للمشتبهين، و لا نستطيع الإحساس بتغير المعاملة من كثيرين منهم عكس المعاملة الودية التي نلقاها من أفراد الجيش؟ لا بد أن نسلم بأننا نوكل للشرطة التعامل مع أحط فئات المجتمع كل يوم، و هذه هي طبيعة عملهم وهو ما يسبب خشونة الطبع الموجودة فيهم حتى في بيوتهم، و في اعتقادي أننا لا نحتاج منهم إلى المعاملة الودية بل إلى المعاملة المحترمة التي تحترم بإرادتها أو من غير إرادتها أفراد الشعب و تقدر قيمتهم، و هنا يبرز بوضوح دور الجهاز الرقابي المطلوب. 8. هل هناك مستفيدون من الغياب الأمني و الأزمة الحالية بين الشعب و الشرطة؟ من منا لن يستمتع بالقدرة على "ركن" السيارة في أي مكان و تجاوز الزحام بالسير عكس الطريق، بالطبع منا الكثيرون الذين يحترمون القانون بدون رقابة و لكن فكر في كثير من ضعاف النفوس والمجرمين الذين تبدو الساحة مفتوحة لهم لأعمال غير قانونية تتجاوز المخالفات المرورية، و كذلك بعض الجهات الخارجية التي لديها الآن فرصة ذهبية لتشر المخربين، المخدرات، و الجواسيس. 9. إذن فما الحل و ماذا نفعل؟ لا تبدو الخيارات كثيرة، فنحن محتاجون بشدة لوجود الشرطة، و الشرطة لا يمكنها الاستمرار بنفس الأسلوب السابق، عليهم أن يتغيروا و علينا أن نتقبل، فلنبدأ بحسن النوايا و نتيح فرصة زمنية معقولة (60 يوما) لنزول الشرطة سيكون علينا خلالها أن نتحلى بسعة الصدر و لا نستجيب لدعوات الإثارة الصادرة من هنا و هناك ثم يبدأ الحساب بعدها عسيرا لكل من لا يلتزم.