أكد السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء السوداني السابق أن بلاده تواجه أخطر مرحلة في تاريخها منذ نشأتها، وأن الشهور المقبلة ستحدد إما "أن يكون السودان أو لا يكون". وقال زعيم حزب الأمة المعارض في حوار مع جريدة الحياة اللندنية نشرتها اليوم إن الاختلاف المتوقع على نتائج الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب بعد نحو أربعة شهور يهيئ الظروف للاقتتال.. "وإذا حدث هذه المرة سيكون بين كيانين وبإمكانات تدميرية هائلة وبتحالفات أجنبية"، لافتا النظرً إلى أن الانفصال سيكون محطة من محطات المواجهات وليس محطة نهائية لحل المشاكل بين الشمال والجنوب، إذا لم تحسم القضايا العالقة المرتبطة بالاستفتاء. وأضاف المهدي أن الأوضاع التي وصلت إليها بلاده هي حصيلة الأعوام العشرين الماضية من حكم الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة عبر انقلاب عسكري على نظام ديمقراطي منتخب كان على قمته، مؤكداً أنه لم يكن يتوقع أن يصل السودان إلى هذه المرحلة عندما أزاحه الرئيس عمر البشير عن السلطة في يونيو 1989. وهذا بعض مما جاء في الحوار: قبل نحو أربعة شهور من الاستفتاء على تقرير مصير إقليمجنوب السودان، كيف ترى المشهد السياسي؟ كل الدلائل تشير حالياً إلى وجود خطاب حاد ما بين الدعوة إلى الوحدة في شمال البلاد والى الانفصال في جنوبها وتبني حزب المؤتمر الوطني الحاكم الوحدة وشركائه في الحركة الشعبية لتحرير السودان الانفصال، ووجود خلافات الشريكين وصلت إلى مرحلة ما يسمى حرباً باردة بين الطرفين، وهذه الحرب الباردة زادت حدتها منذ نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة بسبب اتهام حزب المؤتمر الوطني بتزوير الانتخابات في شمال البلاد والحركة الشعبية في جنوبها ووقعت درجة عالية جداً من التراشق بينهما منذ نتائج الانتخابات في إبريل الماضي. هل تتوقع أن يعيد الخلاف على نتائج الاستفتاء - إذا حدث - الحرب الأهلية من جديد؟ للأسف الأوضاع تتجه إلى موقف استقطابي حاد جداً مع وجود عشرين مشكلة وقضايا عالقة بين شريكي الحكم أهمل الطرفان حلّها في الفترة الانتقالية لاتفاق السلام، مرتبطة بالمياه والحدود والعملة والديون والجنسية وغيرها، وهذه المشاكل ستكون كلها قابلة للانفجار... وفي وجود هذا المناخ والاختلاف المتوقع على نتائج الاستفتاء فإن الظروف كلها ستكون مهيأة للاقتتال، وإذا حدث هذه المرة فسيكون بين كيانين وبإمكانات تدميرية هائلة وبتحالفات أجنبية، وهذا معناه تعريض البلاد لمخاطر كبيرة جداً، خصوصاً إذا رجح الاستفتاء الانفصال كما يتوقع، وستكون لهذا الانفصال آثار سالبة جداً في الشمال والجنوب على حد سواء وعلى دول الجوار أيضاً، ومعنى هذا كله أننا في واقع نهيئ فيه ظروفاً محددة نحو الهاوية. مسئولون في الأممالمتحدة ومراكز بحث يرون أن قضية منطقة أبيي ستكون مصدر نزاع دامٍ بين الشمال والجنوب مثل كشمير بين الهند وباكستان، هل تؤيد ذلك؟ - ليس منطقة أبيي وحدها. في الحدود بين الشمال والجنوب مناطق كثيرة أخرى يمكن أن تكون مصدر نزاع وقتال، وقضايا كثيرة أخرى عالقة... وهناك وهم بأنه يمكن حلها ثنائياً بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وهذا غير ممكن، لأن من يقطنون في هذه المناطق ليسوا من الحزبين ولهم رأيهم في مصالحهم المعيشية، وهذا ما حدث في أبيي. فالشريكان ذهبا إلى التحكيم الدولي، وقال التحكيم كلمته ورحب حزب المؤتمر الوطني بذلك، لكن أهل المنطقة كان لهم رأي آخر. فاللجوء إلى التحكيم الدولي في رأيي كان خطأ وينبغي مخاطبة الأطراف المعنيين في أبيي وإشراكها في قضايا حياتها ومصالحها وخلق آلية أخرى للتعامل مع هذه المشاكل. هناك من يعتقد أن انفصال الجنوب سيكون مؤامرة أجنبية لتمزيق البلاد؟ لا أعتقد ذلك، فهناك من يريدون مشاكل من اجل المشاكل، ولكن بوجود مصالح متضاربة يجب التصدي لها لكي لا تؤدي إلى اضطرابات، ولا توجد مجرد مؤامرات من اجل المؤامرات. صحيح ان أعداء السودان بصورة أو بأخرى يعملون لتدميره ولكن المهم ألا نترك لهم النوافذ بأسلوب جاد وقومي عبر التصدي لمشاكلنا، ولكن، إن لم يحدث ذلك ووقع الانفصال فسيكون محطة من محطات المواجهات، لأنه في اليوم التالي من الانفصال ستتشكل المناطق الممتدة على الحدود الجديدة بين الشمال والجنوب مثلما تتشكل المناطق الجنوبية جنوب الشمال. ستجد أن للشمال جنوبه وللجنوب شماله وهؤلاء سيكونون عرضة للمواجهات ما لم يحدث تراض لحل المشاكل العالقة التي كان من المفترض معالجتها خلال الفترة الانتقالية. هل تعتقد أن المرحلة المقبلة هي الأخطر في تاريخ السودان منذ استقلاله؟ نعم، هي الأخطر منذ تكوينه كله وليس استقلاله في 1956، لأن الشهور المقبلة ستحدد أن يكون السودان أو لا يكون، فإذا حدث انفصال عدائي للجنوب فستتدهور الأوضاع في البلاد وستتعقد أزمة دارفور كثيراً، وإذا لم تحسم القضايا العالقة فإن الانفصال سيكون محطة من محطات المواجهات وليس محطة نهائية لحل المشاكل بين الشمال والجنوب. بعد 46 سنة من العمل السياسي هل أنت مهيأ للعيش في نصف دولة في حال انفصال الجنوب عبر الاستفتاء؟ - دعونا نتفاءل. نحن نبحث عن آفاق جديدة وندرس كونفيدرالية عربية وأخرى أفريقية، ولا يزال أمامنا الكثير.