محمد البرادعى.. اسم تمكن من تحريك المياة الراكدة فى الشارع المصرى على مدى عقود. جعل المصريين -أخيرا- يفكرون ويتساءلون، بل ويأملون فى التغيير. أيا كان موقفك من د. محمد البرادعى الذى أعلن فى أكثر من مناسبة أنه ينوى الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة والمقرر اقامتها فى سبتمبر 2011، لكن لا تنكر أن مجرد اعلانه هذا الأمر قد أصابك بالصدمة والحيرة، ثم تركك لتفكر فى الأمر جديا، فى مآل مصر بعد مبارك. وهل التغيير خطوة مأمونة العواقب، أم ستكون خسائرها أكثر مما ستأتى به رياح التغيير؟ في هذا المقال أستعرض مواقف الفنانين ودورهم فى المشهد السياسى وحالة الحراك الجاد والنشط التى يشهدها الشارع المصرى فى الآونة الأخيرة، وتأثير البرادعى على الوسط الفنى فى مصر، وعن نجاحه فى تحريض الفنانين -إن جاز لى التعبير- على العودة إلى المشاركة فى الحياة السياسية والاجتماعية فى مصر، بدلا من انعزالهم وانغلاقهم، وعدم الاضطلاع بدورهم كقادة طبيعيين ومؤثرين للرأى فى مجتمع غالبيته - للأسف - من الأميين أو محدودى الثقافة، والذين يستقون معلوماتهم بشكل أو بآخر من فنانيهم المحبوبين. اختلفت آراء الفنانين سواء باعلان التأييد التام أو الضمنى للبرادعى، أو برفضه تماما وعدم الاقتناع بالتغيير بدعوى خصوصية المجتمع المصرى، وهى آراء رغم اختلافى مع بعضها وعدم اقتناعى بقوة البعض الآخر أو وضوحه للناس، إلا أنها تستحق التوقف عندها. الزعيم عادل إمام اختار سياسة الأمان و"اللى نعرفه أحسن من اللى منعرفوش"، وقالها صريحة مدوية: "سأعطى صوتى لمبارك، وإن لم يترشح سأعطيه لجمال، لكننى لن أعطيه أبدا للبرادعى". عادل إمام يعلم جيدا تأثيره بين جموع الجماهير وخصوصا من البسطاء وغير المثقفين، واعتبر أن شعبيته الجارفة كفيلة بسحب البساط من تحت قدمى البرادعى وتقويض انتشاره بين جموع الشباب والمثقفين، مستندا إلى تاريخه الفنى الطويل، لكنه - ورغم أن موقفه السياسى ينطلق من ميوله وقناعاته التى أعلنها من قبل أكثر من مرة - إلا أنه لم يعترف أن فكرة ترشيح مبارك "الابن" للرئاسة تظل أيضا خطوة مبهمة وغير متضحة المعالم، خاصة أن المطبخ الرئاسى فى مصر لم يعلن بعد خطته لعام 2011، وكأنه يفضل اتباع أسلوب المفاجأة أو الأمر الواقع. المخرج خالد يوسف المعروف بانتماءاته الناصرية، اتخذ موقفا يتسم - فى رأيى المتواضع - ب "الميوعة"، فقد اعترف بأنه من مؤيدى البرادعى، لكنه وبطريقة سينمائية أكد للجميع أن جمال مبارك هو الرئيس القادم، وأن الجماهير ستخرج لتتغنى باسمه. رؤية استشرافية شديدة القتامة، وتتسم بالخنوع وانعدام الأمل. خالد لم يقدم أية أطروحات أو تصورات لسيناريو العام المقبل "الأخطر فى التاريخ المصرى الحديث"!. أتذكر هنا فيلمى يوسف الشهيرين "دكان شحاته" ومن قبله "حين ميسرة" واللذين قدما رؤية شديدة القتامة والتشاؤم لواقع ومستقبل المجتمع المصرى. أستاذ خالد: نريد "شوية تفاؤل"، اذا سلمنا بأن لا شئ سيتغير، فلم المحاولة؟! فلنوفر مجهودنا إذن...! موقف الملك محمد منير مازال حتى الآن غير واضح أو محدد، حيث أعلن منذ البداية أنه لم يقم بالتوقيع على وثيقة الجمعية الوطنية للتغيير، وعندما التقى جمهوره العريض فى حفله الأخير بمارينا، أعلن لهم أن التغيير لا يجب أن يأتى من قمة الهرم أولاً "الرئيس" بل من القاعدة "تطوير التعليم وتحسين الخدمات الصحية ومقاومة الفقر". عزيزى منير: أنا من الجيل الذى يحرص على الاستماع إلى كل كلمة تقولها سواء من خلال أغنياتك أو تصريحاتك أو تعليقاتك، ولكن هذا التصريح الأخير أصابنى بالحيرة، ومن الذى سيتولى تغيير قاعدة الهرم، إذا لم يكن هو نفس الشخص - المؤسسة - الذى يتربع على قمة الهرم، ويلم بعيوبه وأمراضه المزمنة منها والمستحدثة؟؟!!! ألا تظن معى أن مصر باتت تحتاج زلزالا داخليا مدمرا أو ريحا عاتية تساعدها على اعادة بنائها بشكل نهضوى نستحقه؟؟!! الفنان الشاب خالد أبو النجا اتخذ موقفا أكثر جرأة ووضوح، حيث أعلن عن تأييده للبرادعى ووصفه ب "طوق النجاة" الذى سينتشل الشعب المصرى من غرقه فى الجهل والفقر والمرض، ودلل على ذلك بقيامه بالتوقيع على وثيقة الجمعية الوطنية للتغيير، وهو فى رأيى أكثير الفنانين تعبيرا عن مواقفه السياسية جرأة. أما الفنان مدحت صالح، فكان موقفه محيرا بالنسبة لى. حتى الآن لم أستطع تفسير رأيه أو الجزم بأنه جاء كنوع من "ركوب الموجة" أو الفرقعة الاعلامية، فمدحت قال" أنا مع البرادعى، لكننى لن أقوم بانتخابه اذا قام بترشيح نفسه للرئاسة، لأننى ببساطة لم أنتخب أحدا فى حياتى"... أى تخاذل وأية سلبية؟؟!! الفنان الحقيقى هو مواطن بدرجة رفيعة، لأنه يحمل آمال وآمال شعبه ويعبر عنها فى أعماله الفنية، أما أن يقوم الفنان بإمساك العصا من المنتصف دون مبرر منطقى، بل وتصدير اللا مبالاة والسلبية لجمهوره فهذا شئ مرفوض. عزيزى مدحت صالح: ربما من الأفضل لك أن تعيش فى "كوكب تانى"!! هانى سلامة أعلن مؤخرا أنه من مؤيدى البرادعى، وشن هجوما شديدا على النظام ممثلا فى حكومته التى اتهمها بأنها السبب فى تدهور حال المواطن المصرى، وانهيار المكانة الدولية لمصر اقليميا وعالميا. حسناً يا هانى! لقد عبرت عن رأيك بالقول، لكن هل من المأمول أن نراك قريبا معتصما أو متظاهرا على درجات سلم نقابة الصحفيين؟؟؟ الفنان الكبير محمد صبحى، أطلق تصريحا فى غاية الغرابة، حيث قال: "الرئيس حسني مبارك من حقه أن يحكم مصر مدى الحياة؛ لأنه يستحق هذا الشرف العظيم، لأنه قدم خدمات جليلة للوطن"، وهل يكون تكريم الشخص بجعله رئيسا مدى الحياة؟؟ وهل رئاسة دولة لها تاريخ وطموحات مثل مصر، تتساوى مثلا مع منح الدكتوراه الفخرية ؟؟!! سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، أعلنت أن البرادعى "إنسان ممتاز"، ولكن "الحرية الزائدة أيضاً ممكن تخرب الدنيا". أتذكر يوم أن اختلفت سيدة الشاشة العربية مع نظام جمال عبد الناصر فى منتصف الستينيات، ورفضت أن تنصاع وتصبح بوقا للسلطة تتغنى ببطولتها "ألمزعومة" كغيرها من الفنانين، فما كان منها إلا أن هاجرت للبنان. سيدتى: هل كان هامش الحرية إبان الثورة أكبر منه حاليا؟؟ لماذا لا تفصحين عن رأيك بصراحة أم أنك تشعرين أنه لم يعد من الضرورى الانخراط فى هموم المجتمع التى " لاتودى ولا تجيب"؟؟ المؤسف فى الأمر أنه وبالرغم مما نجح البرادعى فى الوصول إليه حتى الآن، وهو إثارة حالة من الجدل المحمود، إلا أن هناك عددا من أهل الفن، تعدهم الجماهير بمثابة مفكرين وفلاسفة، لكنهم للأسف لم يقوموا بأية خطوة حيال هذا الأمر، ومنهم على سبيل المثال: عمرو دياب وعلى الحجار ونور الشريف ويحيى الفخرانى وأحمد السقا وشريف منير ويسرى نصر الله وجلال الشرقاوى. لكننى أتوقف قليلاً لأتساءل عمن واتتهم الشجاعة للإدلاء بدلوهم فى هذا الصدد: هل كان تعببرهم عن هذه الآراء انطلاقا من رؤية حقيقية أم ركوبا للموجة وادعاء للبطولة أم دفاعا عن المصلحة والفائدة التى تعود عليهم باستمرار الوضع الراهن أو بتغيره؟ واذا كان هذا حقيقيا، فمن الذى سيقود الجماهير للتعبير بشكل راق عن مطالبهم، أم أنهم سيتركون الشارع المصرى يأكل بعضه بشكل مخيف وينذر بكارثة حقيقية ستتبلور صورتها فى سبتمبر 2011.. ربنا يستر..