تحرش الرجال بالنساء قضية خطيرة أصبحت تنتشر فى جميع المجتمعات العربية المحافظ منها والمنفتح .. فهل كان أحد يتصور ان المجتمع السعودى مثلا والمعروف عنه بشدة الانغلاق تحدث فيه هذه الظاهرة وعلى نطاق واسع .. ؟ جريدة عكاظ السعودية نشرت فى عددها الصادر اليوم الأحد تحقيقا موسعا حول هذه القضية وناقشتها من كافة الاوجه الدينية والاجتماعية والنفسية .. تقول الرياض : غريب أمر النساء، فهن لا يكادن يخرجن إلى أي مكان إلا وتجد تلك "العيون الفضولية" تتمعن إليهن وكأنهن من كوكب آخر، سواء كن في الأسواق أو الشوارع أو المستشفيات أو المدارس، عيون لا تستقر وكأنها "رادار مراقبة"، هذا هو الحال عندما تمر صاحبة "العباءة السوداء" الكل ينظر إليها بنظرة متفحصة ولسان حاله يقول "يا لبيه" أو يا "لبى قلبك"، فيرصد بفضوليته طريقة مشيتها، بل ويرسم تفصيلا لجسد صاحبتها، ولا تستغربوا كثيراً إذا قلنا بأن هذه النظرات تسترق ما تحت العباءة من "سمار" و"بياض" وألوان الثياب ونوعيتها، وربما المرحلة العمرية والحالة الاجتماعية، كل هذا لمجرد إشباع الفضول البصري ناسين أو متناسين الأوامر الإلهية الصريحة في ضرورة "غض البصر". تقول "بيان سليم" - ممرضة - طالما تعرضت لنظرات الرجال السعوديين المصابين "بداء البحلقة" من خلال عملي في مجال التمريض لأكثر من سبع سنوات، مضيفةً كانت تلك المدة الطويلة كافية أن أتعلم أنواع هؤلاء "المبحلقين" والطريقة المثالية للتعامل معهم، فعلى سبيل المثال هناك الفضولي المجاهر المستمتع، وهناك الخائف الخجول، وهناك المؤمن الذي لا يطيل النظر، وجميعهم تكفيهم سياسة "التطنيش" مع الثقة التامة بأن تلك النظرات وأن كانت مزعجة إلا أنها لا تنتقص من قدر الممرضة ومكانتها، مؤكدةً أنه كلما تعاملنا مع تلك النظرات برؤية وعقلانية وموضوعية، سنجبر الرجل الناظر على الخجل من تصرفه، ولكن هناك فضوليين ينسون أنفسهم أثناء النظر، لدرجة أن أحدهم لا يعود إلى وعيه إلا إذا صرخت المرأة في وجهه قائلة "خير وشفيك تطالع"!، أى على اى شئ تنظر نافيةً ما يقال بأن تبرج المرأة هو ما يدفع للنظر إليها، وإن تلك الادعاءات مجرد تضليل للواقع وإبعاد التهمة الملصقة بهؤلاء الرجال، والدليل بأني لم أتعرض لتلك النظرات "المزعجة" من الكوادر الطبية الأجنبية والمرضى المقيمين، فهي بذلك تهمة خاصة بشباب مجتمعنا مع الأسف الشديد. وتذكر "نجاح هويمل" أن النظر إلى الآخرين مسألة عادية ولا تستحق أن تصل إلى درجة يعاقب عليها الشخص، ولكن هناك تحرشا بصريا مزعج يستوجب العقاب خاصة في الأسواق التجارية والتي لا يكل ولا يمل مرتاديها من متسوقين وبائعين من النظر إلى النساء، حتى أن بعضهم يتعمد ملامستهن بسبب فقده السيطرة على نفسه، مشيرةً إلى أنه من المؤسف أن نجد من تستهويه تلك الطباع دون أن يشعر بأن تلك ممارسات سلبية تسبب الضرر للنساء قد يكون أقلها هو الإزعاج. وتوضح "أسماء" أنها تشعر بالإحراج والتعب من نظرات الفضولي التي يطلقها في كل مكان، حتى عند إشارة المرور أثناء استقلالها مركبتها مع السائق، وغالباً ما تتجاهل تلك النظرات، ولكن يحدث أن يتمادى بعضهم ليصل به الحال إلى "الترقيم" دون مراعاة الذوق العام، لافتةً إلى أنها طلبت من السائق أن يسجل رقم المركبة ليتم الاتصال بالجهات المعنية لمعاقبته، ناصحةً كل الفتيات بضرورة حفظ أرقام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك الدوريات الأمنية لتبليغ عمن يتجاوز حدود الأدب. وتذكر "خلود" أن أخاها دائم النظر إلى النساء في الأماكن العامة، ولا تكاد تفلت أي امرأة من عينيه، وغالباً ما أَلتزم الصمت إذا كنت بصحبته؛ لأني أجزم أن تلك طبيعة الرجل فأتجنب "وجع الرأس"، موضحةً أنه من الموضوعية أن نؤكد على أن هناك بعض النساء لديهن فضول بصري، ولكنه في أغلب الأحيان يرتكز على النساء لمعاينة الملبس والمظهر والأمور التجميلية الأخرى، ولا ننسى أيضاً أن هناك "مريضات" يجتهدن في محاولة لفت الأنظار إليهن، سواء بلباس معين أو إصدار الأصوات والضحكات. ويوضح "د.سليمان العقيل" أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود، أن الإنسان يعيش وسط مجموعة من المعطيات الاجتماعية المتناقضة التي تشكل شخصية الفرد وتحدد سلوكه واتجاهاته وكذا رؤيته وتصرفاته، فنحن نحكم على الأفراد والمجتمعات من خلال تفاعل هذه القضايا مع بعضها لتشكل سلوكاً اجتماعياً محدداً ومتوافقاً مع البيئة الجغرافية والاجتماعية والثقافية والتاريخية لهذا المجتمع، ومن ثم تأتي التعليمات الدينية والاجتماعية والتنظيمات القانونية والذوقية لتعدل السلوك الاجتماعي، فتحسن أو تقبح أو تقدم أو تأخر وتحرم وتحلل وغير ذلك من الإجراءات التي تتم لحفظ السلوك العام للمجتمع، مشيراً إلى أن المجتمع السعودي مجتمع محافظ يلتزم بالدين الإسلامي في اعتقاده وفعله، ولذلك فإن بعض المظاهر التي تشاهد على الفرد السعودي في حياته الاجتماعية لم تكن في الذاكرة بالشكل الذي عليه هي الآن، فقد كانت النساء تخرج إلى قضاء حوائجهن وهن في أعمار معينة، تكون بشكل لا يلفت النظر، وكذا تكون ذات سلوك معين ومحتشم إلى حد لا يلفت النظر بتاتاً إلاّ ما قل، وكذلك فقد كانت لهن مسارات محددة في خروجهن وتفاعلهن مع العالم الخارجي، بالإضافة إلى أوقات لا تخرج عنها، وعندما تخرج فإنها تكون في غاية الخوف والخجل والحشمة والحذر والحيطة وكل مستلزمات الأمان الاجتماعي والنفسي، وفي المقابل فقد كان الناس ذوا مروءة وحرص على محارم المجتمع، كما أن درجة الضبط الاجتماعي عالية جداً، فالخطأ من الجنسين يعم الأسرة ، ولذلك فإن نسبة الخطأ في القول والفعل والمعنويات قليلة جداً ومخفية، وقد لا تظهر على السطح، فحين يوجد رجل يقوم بهذه التصرفات، فإنه لا يمكن أن يسلم من العقاب الاجتماعي كالوصم "العيارة"، أو العقاب البدني سواء كان من الناس أو من إدارة المجتمع.