كيف سقطت طائرة مصر للطيران – في رحلتها 990 – بالمحيط الأطلسي عام 1999؟ وهل كان إسقاطها متعمدا أم لخلل فني فيها؟ ولماذا كلفت مصر الولاياتالمتحدة بقيادة التحقيق في الحادثة ولم تتولها هي؟ وكيف ألصِقت تهمة إسقاطها بمساعد الطيار وتم إهمال الخلل الفني في نظام الطائرة؟ وجرح برنامج “الصندوق الأسود” الاستقصائي الذى أذيع على قناة “الجزيرة” قصة الطائرة المصرية (الرحلة 990) طوال أربع سنوات، بدءا من لحظة إقلاعها فجر يوم 31 أكتوبر 1999 ثم سقوطها في المحيط الأطلسي بعد أقل من ساعة من الإقلاع، وانتهاء بنتائج التحقيق وما يراه بشأنها خبراء الطيران والمحامون القانونيون عن عائلات الضحايا. شكوك وشبهات تبدأ القصة في صباح 31 أكتوبر 1999 حيث استيقظ المصريون على خبر مقتل 289 مصريًّا (منهم 33 ضابط مخابرات مصريًا يتدربون في أمريكا) تحطمت الطائرة البوينج 767 التابعة لشركة مصر للطيران في رحلتها 990 أمام ساحل ماساتشوستس الأمريكي بعد 55 دقيقة من إقلاعها، ولم ينج من الحادث أي شخص، وكان طاقم قيادة الطائرة يتكون من جميل البطوطي، وأحمد الحبشي، وعادل أنور، ورءوف محيي الدين، وعلى متنها عشرات من ضباط المخابرات العامة والعسكرية، و3 علماء ذرة، اختفت فجأة من شاشات الرادار لتسقط على بعد 60 ميلا بحريا من جزيرة نانتوكيت بالمحيط الأطلسي، ثم عثر على حطامها بعد انشطارها نصفين. فور إعلان نبأ سقوط الطائرة؛ كلفت الحكومة المصرية آنذاك المجلس الوطني الأمريكي لسلامة النقل بالتحقيق في الحادث، ونظرا لوجود أمريكيين في الطائرة واحتمال وجود شبهة عمل جنائي فقد كان موظفو مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي (أف بي آي) من أوائل من وصلوا إلى موقع الحادثة، وقد طلب المجلس من مكتب التحقيقات قيادة التحقيق بعد العثور على تسجيلات القمرة في النصف الأول من نوفمبر الموالي.
العبارة المبهمة كان من المفترض أن يتولى قيادة الطائرة طاقمان، وكان في الاحتياطي مساعد الطيار جميل البطوطي الذي تولى القيادة من المساعد عادل أنور بعد 20 دقيقة فقط من الإقلاع، ثم بعد يومين فقط من حادثة السقوط – وقبل تحليل أي بيانات أو العثور على تسجيلات – خرجت تسريبات للإعلام الأمريكي باتهام البطوطي بإسقاط الطائرة. وفي 19 أبريل 2001 نشر المجلس الوطني الأمريكي لسلامة النقل المسودة الأولى لتقريره بشأن السقوط الذي توصل فيه إلى أن السبب المحتمل هو تصرفات البطوطي، وتمحور الاتهام حول قول البطوطي بعد توقف الطيار الآلي عن العمل الساعة 1:49 دقيقة: “توكلت على الله” (كررها 9 مرات)، وقد ترجمها المحققون الأمريكيون “اعتمدت على الله” رابطين بين ما هو تعبير إسلامي عادي و”العزم على ارتكاب عمل إرهابي تقربا إلى الله”. وبحسب معد برنامج “الصندوق الأسود” فقد طلب هذه التسجيلات من المجلس لكنه رفض توفيرها، ثم تمكن من الحصول عليها نهاية 2017 لتبرز لديه شكوك تجاه التحقيق الأمريكي؛ حيث أقلعت الطائرة في تمام 1:20 فجرا ومرت 20 دقيقة دون مشاكل، ثم جرى حديث عادي بين أفراد الطاقم، وبعد 27 دقيقة تسلم البطوطي قيادة الطائرة من القائد الذي ذهب لينام، وبعد تسلمه لها ب10 ثوان تلفظ بعبارة “توكلت على الله”. كما توصل البرنامج – من خلال الاستماع لتسجيلات قمرة القيادة (مدتها 31 دقيقة و45 ثانية) وتحليلها فنيا – إلى أنها لم تتضمن ما يدل على حدوث توتر أو خلاف بين أفراد الطاقم؛ وأن توقف الطيار الآلي – وهو النظام المعني بقيادة الطائرة آليا – كان سببا لاتهام البطوطي، خاصة أن جمال عرام – وهو أحد ملاحي هذه الطائرة سابقا – أكد للمحققين أنه “لم يكن مرتاحا لأداء الطيار الآلي”، كما أثارت الشكوكَ طريقة تعاطي المحققين الأمريكيين مع ما سموها “العبارة المبهمة” في تسجيلات الطائرة. اتهام ضمني ولعل ذلك ما جعل وزارة الطيران المدني المصرية تطعن حينها في نتائج تقرير المجلس الأمريكي وفقا لتحقيق خاص أجرته في الحادثة، قائلة إنه “استخدم بشكل انتقائي بعض الحقائق وبعض الاستنتاجات المفترضة لدعم نظرية سبق الجزم بها”. كما أن مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي قال في تحقيقه “إن الحادث لم يكن جنائيا ولا إرهابيا”، ولكن المكتب لم ينشر هذه النتيجة إلا في عام 2010. ومما يزيد ضعف الرواية الأمريكية؛ أن مجلس سلامة النقل قبِل تفسيرات فنية تتعلق بالطائرة قدمتها له شركة بيونغ المصنعة لها، رغم أنه سبق أن صرح – قبل يومين من تحطم طائرة مصر – بأن بوينج حجبت تقريرا مهمًّا كان سيفسر أسباب تحطم طائرة أمريكية 1996. كما اتهمت مذكرة سرية لشركة مصر للطيران (صدرت في ديسمبر 2000) بشكل ضمني شركة بيونغ بالمسؤولية عن حادثة سقوط طائرة رحلتها 990. وفي يناير 2014 أقرت إدارة الطيران المدني الفدرالية في أمريكا بوجود خلل في ذيل بوينغ 767، وبذلك خلصت إلى ما يعتقد الخبراء أنه كان سبب سقوط الطائرة المصرية، وذلك قبل أن يتم حظر تحليق هذا الطراز من بوينغ مطلع عام 2019 بعد حادثيْ سقوط متتاليين، وهو ما يؤكد وفق هؤلاء الخبراء أن “البطوطي” لم يسقط الطائرة وإنما حاول إنقاذها، وأنه لا شيء سيُظهر الحقيقة سوى فتح التحقيق مجددا في الحادثة.