المذبحة الإرهابية التي ارتكبها صليبي متطرف ضد مسجدين بمدينة كرايست تشيرتش” بنيوزيلندا، يوم الجمعة الماضي 15 مارس 2019م، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 50 مسلما وإصابة 50 آخرين أثناء صلاة الجمعة؛ لا يمكن اعتبارها حادثا إرهابيا فرديا؛ بل تأتي في سياق سلسلة من الجرائم الإرهابية التي ارتكبوها متطرفون بيض ينتمون إلى اليمين المتطرف (الصليبيون الجدد) الذي يؤمن بالشعبوية وتفوق العرض الأبيض على ما سواه من البشر. وشهد العقد الماضي تصعيدا كبيرا في خطاب العنصرية والكراهية ضد المسلمين، وهو ما انعكس في تنفيذ عدة جرائم إرهابية طالت المسلمين في مساجدهم عقائدهم وطريقة حياتهم. من أجل إجبارهم على أمرين: إما ترك دينهم والإيمان بما يعتقده اليمين المتطرف أو النازيون الجدد. أو ترك منازلهم والهجرة إلى البلاد العربية والإسلامية حتى تبقى أوروبا “صليبية خالصة” أو قارة للعرق الأبيض دون سواه. بالطبع هذه الجرائم الإرهابية التي ينفذها متطرفون من كافة الأديان من صليبيين وصهاينة أو سيخ أو هندوس لا تجد لها صدى في الإعلام الغربي؛ الذي يسلط الضوء وبكثافة على الجرائم التي يرتكبها مسلحون مسلمون كتنظمي القاعدة وداعش وغيرها. بينما يتم التغاضي عمدا عن الإرهاب الصليبي الذي يمارسه اليمين المتطرف أو المتطرفون من كافة الأديان الأخرى. ويحذر محمد ناصر الحسني، الناشط الحقوقي في مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)،من الانتشار الواسع للمنظمات المتطرفة في الولاياتالمتحدة وأوروبا، حيث باتت أكثر عدداً وحضوراً وفاعلية وتأثيراً من التنظيمات المتطرفة الموجودة في العالم الإسلامي؛ مشيرا إلى أن “الاتجاهات اليمينية المسيحية الاستئصالية المتطرفة أصبحت تجاهر بمعاداة المسلمين وتدعو لحرق القرآن الكريم جهاراً نهاراً، كما فعل القس الأمريكي المتطرف تيري جونز”. ويضيف أن هذه الجماعات المتطرفة تجد دعما كبيرا من الحكومات الغربية؛ بل إنها وصلت بالفعل إلى سدة الحكم في عدد من العواصمالغربية ولهم تأثير واسع على قرارات المحافظين الجدد الذين يمثلهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ففي عهده أصبحت هذه المجموعات جزءاً من مطبخ القرار السياسي الاستراتيجي للولايات المتحدة”، “الأمر ذاته نجده في أوروبا، فهنالك العشرات من تلك المنظمات والتجمعات اليمينية المسيحية التي تعادي المهاجرين، والمسلمين منهم على وجه الخصوص؛ فهم يعتبرون أن الأجانب المهاجرين من أسباب تفاقم أزمات المجتمعات الأوروبية، كالبطالة وتدنّي مستويات الرخاء”. هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة المتشددة عكست الكراهية في برامجها السياسية، وفي شعاراتها الانتخابية التي رفعتها لكسب أصوات الناخبين، وقد تسبّب ذلك في إنشاء جو تحريضي عنصري زرع بذور التطرف في المجتمع وفي قطاعات الشباب على وجه الخصوص، وما أعمال الإرهاب التي تتوالى ضد المسلمين إلا ثمرة من ثمار هذا الخطاب العنصري المتطرف. كراهية ضد المسلمين وخلال السنوات الماضية تصاعدت حدة حملات الكراهية والعنصرية ضد المسلمين؛ ففي العام الماضي، انتشرت في بريطانيا دعوة من خلال رسائل وصلت إلى المواطنين تحثّهم على التخلص من المسلمين، في إطار حملة دعت لاتخاذ يوم 3 أبريل موعداً لانطلاقها بشكل متزامن، وتضمّنت توجيهاً بأن تكون هذه الأعمال على شكل ضرب مباشر أو رمي المسلم بالأحماض الحارقة، أو تفجير مسجد. اللافت للانتباه أن الدعوة مجهولة المصدر انتشرت بسرعة، وانتقلت عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أوروبا كلها، ووصلت إلى أمريكا، حيث تبنّتها الحركات العنصرية، واعتبرتها نوعاً من التضامن العالمي ضد المسلمين، والغريب أن الدعوة مرّت دون أن تترك أثراً في الإعلام العالمي، وتم تناقلها كخبر من الأخبار اليومية. وقد وثقت السلطات الألمانية نحو ألف هجوم على المسلمين والمساجد، عام 2017، وبحسب بيانات قدمتها وزارة الداخلية الألمانية للبرلمان فإن 33 شخصاً أصيبوا في تلك الهجمات. وذكرت أن 60 هجوماً استهدفت المساجد ونُفّذ بعضها بدماء الخنازير، وأظهرت البيانات أيضاً أن كل مرتكبي تلك الهجمات من المتطرفين اليمينيين. وفي إسبانيا وثّقت “منصة المواطنة الإسبانية حول الإسلاموفوبيا”، وهي منظمة حقوقية، أكثر من 500 اعتداء بحق المسلمين في العام نفسه. ووُثق في تقرير حوادث حصلت بالشوارع والإعلام وحملات الإنترنت من قبل مجموعات يمينية متطرفة، وأشارت إلى أن 386 حادثة من مجموع 546 حادثة مرتبطة بالإسلاموفوبيا في 2017 وقعت عبر منصات إعلامية أو مواقع الإنترنت. اعتداءات إرهابية على المساجد 1) في مساء 29 يناير 2017، تعرّض مسجد في مدينة كيبيك الكندية لإطلاق نار من قبل مسلّح، هو ألكسندر بيسونات، قُتل فيه 6 أشخاص وجرح 17 وهم يؤدون صلاة العشاء. وكان منفّذ الاعتداء تبنّى أفكار اليمين المتطرف ومواقف معادية للهجرة. 2) تعرّض مصلّون لعملية دهس، قرب مسجدٍ في منطقة “فنزبري بارك” في لندن بعد منتصف ليل 18 يونيو 2017، أدّت إلى مقتل شخص وإصابة 10. وتبيّن من خلال التحقيق أنّ منفّذ الهجوم، البريطاني دارين أوزبورن، يميني وعنصري معادٍ للمسلمين والمهاجرين. 3) في 28 يناير 2017، أحرق متطرفون مبنى مسجد في بلدة فيكتوريا التابعة لمدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية، أتت على معظم البناية، في أعقاب قرارات أصدرها الرئيس دونالد ترامب، تستهدف المسلمين واللاجئين. وفي 1 ديسمبر 2016، أعلن مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) أن “المسجد الكريم” في ولايات رود آيلاند، وخمسة مساجد في ولاية كاليفورنيا، تلقّت خطابات تهديد وصفت المسلمين بأنهم “حقراء وقذرون” 4) في سبتمبر 2017 من نفس العام، أُحرق المركز الإسلامي بمنطقة فورت بيرس في مدينة أورلاندو الأمريكية، وفي 13 أغسطس، قُتل إمام مسجد الفرقان هو ومرافقه وهما خارجان من المسجد بعد صلاة الظهر، بإطلاق نار في منطقة كوينز بولاية نيويورك. وفي ألمانيا فجّر متطرفون عبوة ناسفة، في 28 سبتمبر 2016، بمسجد مدينة دريسدن شرقي البلاد. 5) شهدت فرنسا أعنف الهجمات ضد المسلمين عام 2015؛ حيث هاجمت مجموعة كبيرة من الأشخاص، في ديسمبر، مصلى للمسلمين داخل حي شعبي في أجاكسيو بجزيرة كورسيكا، وقاموا بتخريبه وإحراق المصاحف التي فيه، وكتبوا عبارات معادية للمسلمين. بالإضافة إلى هذا تعرّضت ثلاثة مساجد لاعتداءات في يناير، في ثلاث مدن فرنسية؛ حيث ألقيت ثلاث قنابل يدوية صوتية على مسجد بمدينة لو مان غربي باريس، بينما أُطلقت رصاصتان على قاعة صلاة للمسلمين في بور لا نوفيل جنوبيها، ووقع اعتداء ثالث في فيل فرنش. 6) في هولندا احتلت مجموعة متطرفين تطلق على نفسها “حماة الهوية” مسجد الفتح في مدينة دوردريخت، ورفعت عليه أعلاماً ولافتات معادية للإسلام والمسلمين. وفي السويد تعرض مسجد في مدينة أوبسالا شمال العاصمة استوكهولم لهجوم بعبوة مولوتوف أحرقته، وكتب المهاجمون المتطرفون عبارات عنصرية وصفتها الشرطة بال”قبيحة”. أيضاً تعرض مسجدان في بلدتي إسلوف جنوبي السويد، ومسجد بمدينة إسكلستونا (وسط) للإحراق، في 25 و29 ديسمبر 2014، ما أدى إلى اشتعال حريق كبير وإصابة 5 أشخاص. 7) في عام 2012، دمّر حريق هائل مسجداً بالكامل في مدينة جوبلين بولاية ميسوري الأمريكية، قبل ساعة من صلاة الفجر. واقتحم اليميني المتطرف راندولف لين مسجداً في مدينة توليدو بولاية أوهايو، وأطلق النار من مسدسه وأحرق المسجد. وبالتزامن أُحرق مسجد بحي أندرلخت في العاصمة البلجيكية بروكسل بإلقاء زجاجات مولوتوف داخله، ما أسفر عن مقتل إمام المسجد مختنقاً بدخان الحريق.