حبست منى الشاذلي دموعها وهي تصف مشاهد مقتل الضابطين المصريين في الإسماعيلية قبل يومين، ومعها كل الحق، فكل مصري يُقتل أو يُجرح هو خصم من رصيد الوطن، وما الأوطان إلا بأهلها، وما الأمم إلا بشعوبها. أنعي هنا من قُتلوا، وأدين بكل الكلمات الممكنة قتل أي ضابط من الشرطة أو الجيش أو المخابرات أو من الحراسات الخاصة، أو كل من يرتدي الزي الرسمي في الخدمة أو خارجها. منى الشاذلي حبست دموعها، وأنا أقدر هذه الدموع ولا أسخر منها أبدا، فهي إنسانة مصرية وهي مذيعة رقيقة الحال بطبيعة أنوثتها، ولكني أعيب عليها أنها أنكرت بيانات الإدانة التي خرجت من جماعة الجهاد وجناحها السياسي، واستنكرت عليهم كلماتهم، وراحت ترص الوصفة الأمنية المعتادة في مثل هذه الظروف. لا أعيب على منى حزنها وغضبها، ولا على أي مصري، ولا أبرر ولا يمكنني تبرير أي عدوان حتى وإن جرى اعتداء من هذه القوات على المتظاهرين واعتقالهم وقتلهم بحجة أنهم إرهابيون، ومرة أخرى أجدني متعاطفا مع أية أسرة يسقط منها شهيد أو جريح. أين المشكلة إذن؟ المشكلة هي في المعايير المزدوجة! قاتل الله هذه المعايير التي تسمح لنا بالبكاء والنحيب على من يسقط هنا، وفي نفس الوقت تنفي عمن يسقط في الجانب الآخر إنسانيته ووطنيته وتعتبره إرهابيا، هكذا وببساطة من دون محاكمة ولا دفاع ولا يحزنون، فيكفي هذا القتيل أنه كان يرفع شعار رابعة العدوية لكي نثبت عليه تهمة الإرهاب. والله يا منى أنا متعاطف والملايين التي تخرج لنصرة الشرعية أكثر تعاطفا منك مع أرواح الجنود والضباط وصف الضباط الذين قتلوا غدرا وغيلة. هذه الملايين التي تساند الشرعية توقن حق اليقين أنه لا مكان للعنف ولا شرعية للسلاح في وجه الدولة أو في وجه الإنسان بشكل عام. يا منى، كنتُ ولا زلتُ آمل أن تنطقي بكلمة أشعر أنا وغيري منها أنك حزينة للدماء التي سالت في فض رابعة العدوية والنهضة ورمسيس والمنصورة، مجرد كلمة واحدة تواسي بها أهالي من ماتوا وجُرحوا على اعتبار أنهم مصريون لهم كافة الحقوق التي ينص عليها الدستور (المعطل!!!!!). يا منى، لقد اعترف الببلاوي بأن من سقطوا في عمليات الفض لا يزيدون عن ألف فقط لا غير، ألف مواطن يا منى، هل هذا الرقم بالنسبة لك مهم؟ هل هو كثير أم قليل؟ هل هم مصريون أم أجانب؟ هل أبناء الوطن أم أعداء الوطن؟ يا سيدة منى، إن مصر تُذبح كل يوم، وتذبح كل ساعة، ولكنني أراك وغيرك تصورين الأمر على أن من ماتوا من الجيش والشرطة رحمهم الله هم من الشعب، بينما الآخرون "شعب تاني" كما قال علي الحجار مطرب "احنا شعب وانتو شعب". يا منى، اخلعي نظارة عدائك لمرسي والإخوان، وفكري بروح وعقل الإنسان، الإنسان الذي كرمه الله يا منى، ويُقتل بلا جريرة، ويُعتقل بلا سبب، ويُطارد بلا جريمة.