لم يخطئ بعض المحللين السياسيين والمتابعون للشأن السعودي، حينما قالوا إن محمد بن سلمان ولي العهد السعودي أقال تركي آل الشيخ من منصبه كرئيس الهيئة العليا للرياضة، لكي يتولى رئاسة الهيئة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مسماها الجديد “هيئة الترفيه”. هكذا بدا على وجه الحقيقية دور تركي آل الشيخ، حينما تم تهميش دور الهيئة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي كانت تقوم بدور الوصي الشرعي على الشعب السعودي، والدخول في عصر هيئة الترفيه، التي قلبت المجتمع السعودي رأسًا على عقب. فبعد إنريك إغليسياس، وياني، وديفيد غيتا وعمرو دياب وماجدة الرومي وغيرهم من مشاهير الغناء والعري، تستقبل السعودية غدا الخميس، ماريا كاري، أحد أشهر مغنيات العري والإباحية على مستوى العالم، الأمر الذي طرح تساؤلا لدى السعوديين وهو هل ستستفيد النساء من هذا الانفتاح؟ وهل هناك انفتاحٌ حقاً في ظل واقع حقوق الإنسان بالبلد؟ ماريا كاري تقول الإذاعة الألمانية “دويتش فيلا” إنه لم يكن الكثير من السعوديين المتفائلين بوقوع انفتاح ليبرالي في المملكة، يتوقعون أن يروا المغنية العالمية، ماريا كاري، في حفل بالمملكة التي منعت طوال عقود إحياء حفلات غنائية حتى تلك التي يحييها أبناء البلد. فالسعودية تظهر، منذ تسلّم الأمير محمد بن سلمان، منصب ولي العهد، بلدا جديدا لا مشكل لديه مع الموسيقى ومع “دمقرطة” الترفيه الذي أضحى متاحا للجنسين معا، فقد صار ممكنا للمرأة قيادة السيادة وحضور المباريات الرياضية وكذا الأحداث الفنية. إلّا أن هذا الانفتاح الترفيهي، يقابله استمرار احتجاز مجموعة من الناشطات النسائيات في السجون السعودية، وورود تقارير حقوقية عن تعذيبهن وسوء معاملتهن، وهن اليوم جزء من حملة واسعة استهدفت العديد من النشطاء وشخصيات مستقلة تقبع في السجون منذ مدة، حيث تؤكد المنظمات الحقوقية أنهم معتقلو رأي، ما يخلق موجة شكٍ في حقيقة الإصلاح الذي أعلن عنه ولي العهد، محمد بن سلمان. التواصل الاجتماعي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أذكى قدوم ماريا كاري إلى السعودية الخلاف حول العلاقة بين الأخلاق العامة في المملكة وبين الحق في الترفيه، وتنتشر في تويتر تغريدات بأسماء مستعارة خوفا من الملاحقة الأمنية ضد حضور المغنية التي اشتهرت بإحياء بعض حفلاتها بلباس خفيف. تقول أماني العيسى، ناشطة سعودية تعيش في أستراليا: إن الانفتاح الذي نراه حاليا في السعودية يبقى “انفتاحا سطحيا أو حتى وهميا”؛ لأن الانفتاح الحقيقي حسب تعبيرها هو الانفتاح السياسي الذي لن يأتي إلا عبر “حصول المواطن على جميع حقوقه” . وتضيف العيسى أنه ما لم تقم الدولة بتشريعات تحمي حقوق الفرد أولاً، فلن يحصل أيّ تغيير اجتماعي، مشيرة إلى أن الانفتاح الحالي لا يشمل جميع طبقات المجتمع، وهو موجه في الأساس لفئة معينة هي من ستحصد نتائج التغييرات في المملكة، خاصة منها ما هو اقتصادي. وتقول إن أيّ انفتاح اجتماعي في دول الجوار لن يؤثر أبدا على واقع النساء السعوديات، لأن وضع المرأة في الخليج متشابه نوعا ما، فهي، وإن حصلت على حقوق في المجال الاجتماعي، تبقى مقيّدة قانونيا وشرعيا، ولا تحظى بجميع الحقوق المدنية باعتبارها مواطنةً كامل الأهلية. وترى أماني العيسى، أن مثل هذه الحفلات لن تنعكس على واقع النساء، خاصة وأن أيّ امرأة سعودية تحتاج إلى الموافقة من لدن وليها في إطار “نظام الولاية” لحضور مثل هذا الحفل، وفي حال رفضت، فيمكن لوليها الزج بها في السجن بتهمة التغيّب أو العقوق. وتشير العيسى إلى أن المرأة السعودية لا تلعب أيّ دورٍ في هذا الانفتاح، لأنها “تعاني من أنظمة وقوانين وضعتها السلطة السياسية”.