إن ما قامت به حكومة الإنقلاب العسكري من مجازر دموية سُفِكت فيها دماء المصريين العزّل شباباً و نساءً و رجالاً و شهدها العالم كله يفوق أعداد ضحايا الحرب مع أى كيان معتدى تستخدم فيه كل الأسلحة من الطرفين معاً. هذه الأرواح التى أزهقت بهذا الكم و هذه الطريقة تتجاوز الخيال و يعجز اللسان الحديث عنها و تذرف المُقل دموعاً لهذه الدماء المستباحة، سواء عند مشاهدتها أو حتى مجرد التفكير فى كيفية إرتكابها، و من أصدر قراراً بشأنها أو نفذها و المفترض أنهم كلهم مصريون أبناء وطن واحد. و القارئ للتاريخ و المشاهد للأحداث يدرك تماماً أن هذه المجازر و الاعتقالات تأكيداً للإنقلاب على إرادة شعب إنتفض ضده خلال شهرين بكل سلمية ، يريد القائمون عليه تثبيته و إكسابه شرعية بالقوة الغاشمة عبر قتل و اعتقال معارضيه و إن تجاوزوا بذلك كل القوانين و داسوا على كل المواثيق و الاتفاقيات و القرارات التى تعنى بحقوق الإنسان عالمياً. المثير للإشمئزاز هو ما صرّح به الإنقلابيون .. فالرئيس الإنقلابي المؤقت برّر القتل بأنه وفق المعايير الدولية !! وهذا يكفى دون أى تعليق. و الببلاوى رئيس الحكومة الإنقلابية الإنتقامية برّر القتل بأنه أمر استثناءى مقبول و شبّهه بما حدث بعد الحرب العالمية الثانية و حرب ڤيتنام. أى أنه يريد أن يعود بنا إلى الخلف 70 سنة و تحديداً عام 1945 فضلاً عن أنه يقتدى بأخطاء الآخرين و مجازرهم التى اعترفوا بها و أدانوا أنفسهم عليها ليصحح أو يبرر مجازره اليوم و نحن فى عام 2013. المثير أنه لم يبررها للمجلس العسكري الذى كان السيسي عضواً فيه و خصوصاً أحداث ماسبيرو التى راح ضحيتها 18 مصرياً و استقال من الحكومة مستنكراً القتل عندما كان وزيراً للمالية فى حكومة عصام شرف و لم تطق إنسانيته البريئة وقتها البقاء فى هذه الحكومة القاتلة .. ما هذا الهراء الذى نراه و نسمعه الآن!! و هذا وزير الداخلية يتبادل الكذب مع المتحدث الإعلامي لوزارته على الشعب بل و العالم أجمع فى بياناتهما اللتان يبرران فيها القتل بشكل يستخف عقول مستمعيه و منها مثلاً .. التى يفهم منها أن المتظاهرين قتلوا أنفسهم بأنفسهم ، أو أن خطة فض إعتصامى رابعة و النهضة نجحت بنسبة 100٪ و كانت احترافية فى أدائها!! إلا إذا كان يقصد أنه نجح فى فض الإعتصام بقتل و اعتقال من فيه دون أى خسائر فى أرواح أفراد الشرطة المهاجمين و الذى كافئهم بمبالغ مالية ضخمة من أموال المصريين المودعة فى البنوك ، و المعلوم أن خسائر الداخلية إن صح ما يزعمونه أصلاً كانت فى المظاهرات التى تمت فى المحافظات عقب القتل المروع للإعتصامين. وهذا وزير الدفاع يصرّح مراراً أنه لا يعقل أن الجيش يقتل أبنائه !! وتقطع الأيادي التى تمتد إلي الشعب !! ثم يفاجئنا وبشكل متسارع و غير مسبوق يوم 8 يوليو عند الحرس الجمهورى و ما بعده بمجازر يندى لها الجبين و وصمة عار فى جبين قواتنا المسلحة، ثم يطلب هو نفسه تفويضاً من الشعب وليس رئيسه أو حتى رئيس حكومته الذى يطلب و أخيراً و ليس آخراً ما حدث فى فض إعتصامى رابعة و النهضة. هذه التصريحات و البيانات التى صدرت منهم سواء قبل 30 يونيو أو ما بعده مجتمعة أزعم أنها أدلة إتهام بالقتل و التحريض يجب أن توجه ضد هؤلاء جميعاً. كل ما سبق يكفى لمحاكمة الإنقلابيين محاكمة عادلة يصدر معها الإعدام شنقاً، و هذا هو القصاص العادل الذى يشفى غليل المصريين و على رأسهم الأمهات الثكلى ، لكن دعونى أسرد مشاهد انتشرت على اليوتيوب على سبيل المثال لا الحصر تعدم مرتكبيها ألف مرة و ليس مرة واحدة منها .. المعتصم الذى حمل أحد المتظاهرين ممن تم قنصهم و هرول به مسرعاً بإتجاه المستشفى الميداني لإسعافه فلاحقه القناص برصاصة أوقعته و من يحمله و أردته قتيلاً. المشهد الثاني الذى رواه أحد الأطباء داخل المستشفى الميدانى لرابعة العدوية و الذى أخبر فيه الضابط بأنه برفقة مصاب حالته خطيرة فكان رده إطلاق الرصاص على المصاب حتى أرداه قتيلاً. المشهد الثالث الذى رآه الجميع وهو استهداف القناصة للمعتصمين وهم فى طابور كأسرى حرب وأيديهم فوق الرؤوس وساروا فى الإتجاه الذى حددته القوات خارج الاعتصام فقتلوا منهم عن عمد أحدهم و هو داخل الطابور وسقط بينهم قتيلاً وصورته الكاميرا. المشهد الرابع المصور الذى اخترقت الرصاصة كاميرته التى كان يصور بها إلى رأسه و أردته قتيلاً. المشهد الخامس لصحفي أهرام البحيرة تامر عبد الرؤف الذى طالته رصاصات غادرة رغم إلتزامه بالعودة للمسار الذى حدده الكمين له. المشهد السادس للشاب الذى رفع يديه أمام الدبابات و مدرعات الجيش مستسلماً و مع ذلك أطلقوا عليه الرصاص و أوقعوه قتيلاً. المشاهد كثيرة مرعبة و وحشية تنم عن حقد دفين و تصفية حسابات لصالح نظام مبارك البائد و أنهم مدركون جيداً لما اقترفته أيديهم و أنه لا بديل عن التخلص من أى معارض لإنقلابهم مهما كلفهم ذلك من إزهاق أرواح حتى تعود لهم حياتهم الفاسدة و حكم الأسياد للعبيد. بالطبع غنىّ عن الذكر مشاهد كثيرة كالجرافات و ما جرفته و حوته و نقلته من داخل الاعتصامين أو القتل و الحرق الجماعى داخل سيارة الترحيلات أو داخل المساجد. ولا ننسى ما تقوم به الأجهزة الأمنية من استخدام بشع و مخزى للبلطجية و المسجلين خطر فى مواجهة المتظاهرين و استخدامهم كسلاح بديل و دروع بشرية لحماية قواتهم بجانب الخداع المستمر للشعب و العالم فى استخدامهم كأهالى يشتبكون مع المتظاهرين حتى تكون ذريعة للتدخل و فض أى مظاهرة بعدها يقبضون على المتظاهرين وحدهم دون القبض على أى من البلطجية المعتدين أو - الأهالى كما يزعمون - خلال شهرين سابقين ما يؤكد كذبهم و خداعهم و أن المستهدف هم أنصار الشرعية فقط إلى آخره. ما سبق يؤكد أن جريمة الإبادة و القتل المتعمد فى حق المتظاهرين من قبل الإنقلابيين تتوافر فيها كل أركان الجريمة الجنائية و أنهم مجرمون حرب ولن يفلتوا منها . طال الزمان أم قصر فهم ملاحقون جنائياً داخل مصر أو خارجها سواء كانوا أحياءً .. أو بعد مماتهم أمام المنتقم الجبار الذى لا يموت و لا تضيع عنده الحقوق . و سيعدمون ألف مرة حتى و إن لم تؤنبهم ضمائرهم و القاتل يقتل و لو بعد حين "وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون" و "لا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار". و أذكر نفسى و الجميع بقوله تعالى " فاصبر إن وعد الله حق ". مهندس / أسامه محمد سليمان عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة محافظ البحيرة المستقيل رفضاً للانقلاب العسكري