رغم أن كل الأدلة تؤدي إلى تورط محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في الجريمة الوحشية بقتل الصحفي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده بإسطنبول التركية مطلع أكتوبر الماضي، وتقطيع جثمانه ثم تذويب جثته وإلقائها في مجاري الصرف الصحي بمنزل القنصل السعودي؛ إلا أن ثمة إصرارا من العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز على التمسك بنجله وولي عهده والدفاع عنه رغم اليقين بتورطه وأنه من أصدر الأوامر بالقتل الوحشي. تمسك العاهل السعودي بنجله، يخالف أحكام الشريعة التي تدعي الأسرة الحاكمة أن مشروعيتها مستمدة من تطبفي صوة من أبشع صور التزييف والتجارة بالدين من أجل السلطة والمصالح الخاصة؛ لأن الإسلام يدعو إلى إقامة العدل في الأرض، والحكم بالحق والنهي عن اتباع الهوى، وجميع المعاهد والجامعات الشرعية في المملكة تعلم طلابها قصة المرأة المخزومية التي سرقت فأهمَّ أمرّها سادةٌ من قريش فطلبوا من الصحابي أسامة بن زيد أن يشفع لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما ورد في البخاري ومسلم؛ فقال الرسول غاضبا: (أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟! ) ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ، ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ). 5 مؤشرات صادمة والمؤشرات عديدة على أن العاهل السعودي ماضٍ في إبعاد نجله عن أي محاكمة تدينه بل يصر على أن يبقى هذه المراهق الأرعن وليا للعهد ليكون ملكا على بلاد الحرمين الشريفين ظلما وقهرا ؛ فهل يأمن سلمان على مستقبل بلاده تحت حكم نجله. وقد تجلت حقيقة تهوره وعدم توازنه أو قدرته على التصرف السليم في كثير من المواقف منها الحرب في اليمن وحصار قطر والتحالف الوثيق مع الكيان الصهيوني على حساب الأمة ودينها وحضارتها ومقدساتها، بخلاف تقريب الفسدة والقتلة وشرابين الخمر ليكونوا حراسته الخاصة ومستشاروه المقربون كما ورد في شهادة السائق التركي الذي نقل فريق اغتيال خاشقجي بعد الجريمة والذي أكد أنهم رقصوا وشربوا الخمر واستمعوا للموسيقى وغير ذلك من أبشع الانحرافات فهل هؤلاء هم قادة الأجهزة الأمنية والمخابراتية في بلاد الحرمين؟ قتلة شرابون للخمر وعواهر في مالهي الغرب؟! المؤشر الأول، هو الكذب ثم الكذب ثم الكذب، فقد أنكر النظام في بادئ الأمر علاقته باختفاء خاشقجي، ومع تواتر الأدلة الدامغة اعترف بأنه قتل في شجار، ولما رفض العالم هذه الرواية الهابطة، اعترفوا أنه قتل مع سبق الإصرار والترصد لكن ولي العهد لم يكن له علم بذلك في محاولة لإبعاد التهمة التي تلاحقه وتؤكدها الأدلة والشواهد. المؤشر الثاني إنكار الملك لتورط نجله، بتعينه مشرفا على إعادة هيكلة جهاز المخابرات رغم أنه كان مشرفا عليه بالفعل وأي فشل يجب أن يحاسب هو عليه، إضافة إلى أن ما تعلنه الحكومة السعودية عن اعتقال وتوقيف ال18 متهما في جريمة خاشقجي، لا يزال بعضهم طلقاء والمحتجزون يعاملون معاملة راقية بعكس ما جرى مع الأمراء الذين احتجزوا في فندق الريتزكارلتون نوفمبر الماضي أو الدعاء والعلماء الذين يتعرضون لأبشع أنواع التنكيل والانتقام في سجون بن سلمان حتى اليوم. المؤشر الثالث أنه لا توجد تحقيقات جادة مع هؤلاء المتورطين، كما كشفت مصادر من مكتب النائب العام التركي، أن الإفادات التي قدمها النائب العام السعودي لم تسفر عن أي جديد بشأن التحقيقات؛ بخلاف الإصرار السعودي على عدم محاكمة هؤلاء القتلة في تركيا أو حتى دوليا. المؤشر الرابع، الجولة المحلية التي بدأها الملك سلمان وولي عهد في منطقة القصيم الثلاثاء الماضي 06 نوفمبر الجاري 2018، حيث امتلأت الطرق والشوارع والميادين بصور سلمان ونجله القاتل، في تأكيد على دعم سلمان لنجله حتى لو أثبتت كل الأدلة تورطه في الجريمة الوحشية. وكانت رسالة الملك الذي بلغ من الكبر عتيا “82” سنة، واضحة الدلالة، وتهدف إلى تعزيز سلطة الأمير محمد الذي يتولى إدارة شؤون المملكة اليومية رغم الانتقادات الدولة العارمة واتهامه بالتورط في الجريمة الوحشية. والملك هنا لا يبالي بعواقب بقاء نجله وما يمكن أن يفضي إلي عزلة المملكة وتشويه صورتها التي باتت في الحضيض بفعل السياسات الخرقاء والمظالم التي تجاوزت كل حد فلا هم يتقون الله ولا رسوله ولا يلتزمون بقانون أو دستور أو حتى احتراما لشعب بلاد الحرمين. كما أن الجولة المحلية تبعث برسالة مفادها أن سيناريو الإطاحة بولي العهد غير مطروح على طاولة النظام السعودي حتى لو حاصرته الاتهامات وتوسعت حملات المقاطعة فالأمير أهم من البلاد، وأمنه فوق أمن الوطن. المؤشر الخامس شروع النظام السعودي في معاقبة الحكومات الأوروبية التي تتخذ موقفا متشددا ضد ولي العهد في أزمة خاشقجي، حيث كشفت صحيفة La Tribune الفرنسية عن تجميد وزارة دفاع الانقلاب بمصر صفقة شراء 4 فرقاطات حربية ألمانية استجابة لطلب السعودية التي تعهدت في البداية بتمويل هذه الصفقة، من نوع Meko A200؛ حيث تبلغ قيمة العقد حوالي مليارَي يورو. انتهازية الموقف الأمريكي وأمام غموض وضبابية الموقف الأمريكي، الذي يقدم مصالحه على حساب المبادئ والقيم، ومحاولات الرئيس دونالد ترامب إبعاد التهمة عن “بن سلمان” بطرح فكرة “القتلة المارقين” التي تمضي الرياض فيها حتى اليوم بتقديم كبش فداء من المنفذين للجريمة، فإن فكرة العدالة في جريمة خاشقجي تبقى بعيدة المنال. ورغم نتائج انتخابات التجديد النصفي التي أفضت إلى فوز الديمقراطيين بأغلبية الكونجرس إلا أن واشنطن لن تجد مثيلا لمحمد بن سلمان يمكن أن يحقق مصالحها وأهدافها وتطويع المنطقة العربية لدمج الكيان الصهيوني في المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية فقد أبدى “بن سلمان” في هذا الشأن مواقف وآراء أبهرت الصهاينة والأمريكان. ورغم ما تبديه بعض العواصم الأوروبية من تشدد في أزمة خاشجقي وكذلك الحصار الإعلامي إلا أن مستقبل الأحداث يتجه نحو قطيعة تركية سعودية، وسوف يحافظ الغرب على القضية كل فترة من أجل ابتزاز البقرة الحلوب التي تدر مليارات في خزائن العواصمالغربية عبر صفقات السلاح والمشروعات والطاقة وغيرها. أما خاشقجي فلن يجد العدالة التي ينشدها المحبون للإنسانية في العالم إلا يوم الحساب حيث لا عروش ولا صفقات ولا مصالح. {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}.