أمام الورطة التي تتعرض لها الأسرة الحاكمة في السعودية، في أعقاب اغتيال الكاتب الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده، يوم الثلاثاء 02 أكتوبر الجاري، فإن النظام السعودي- وخصوصا ولي العهد محمد بن سلمان- يواجه عاصفة من الهجوم من معظم العواصم العالمية في الغرب والشرق، وسط تكهنات بأن تفضي إلى عزلة النظام السعودي، وعلى الأرجح عزل ولي العهد الطامع في كرسي العرش. وبحسب مراقبين، فإن اعتماد النظام السعودي في مشروعيته على القبول والرضا الأمريكي بدلا من الاعتماد على رضا الشعب السعودي، يضعف مواقف النظام السعودي باستمرار، ويجعل منه أداة طيعة تركع بسهولة أمام ابتزاز البيت الأبيض. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد عاير النظام السعودي بأنه لن يتمكن من البقاء على العرش لأسبوعين إذا تخلت واشنطن عن دعم النظام السعودي. وحول تداعيات اغتيال خاشقجي بوحشية على العلاقات الأمريكية السعودية؛ يعتبر كثيرون أن هذه العلاقة التي مثلت لسنوات طويلة، أهم الشراكات الأمنية لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، باتت تواجه خطر التراجع المحدق، في ظل ما يثار عن دور سعودي محتمل، في اختفاء أو قتل خاشقجي، وقد لخص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كل ذلك في وعيده ب”عقاب شديد” للرياض في حالة ثبت أي دور للنظام السعودي في مقتل خاشقجي. ورغم أن ترامب التزم نوعا من اللين في بداية الأمر، ورغم أنه أيضا أبدى حرصا على استمرار عقود بيع السلاح للرياض، وتحدث عن بدائل أخرى للعقاب، إلا أن الأمر لا يبدو في يد الرئيس الأمريكي وحده، فقد بدا أن هناك جبهة قوية من المشرعين، وكذلك من الصحافة الأمريكية، التي تدفع بقوة في اتجاه توقيع أقسى عقاب على المملكة العربية السعودية، في حال ثبت تورط نظامها في ما حدث لخاشقجي. وكانت صحيفة الواشنطن بوست، والتي كان خاشقجي أحد كتابها، قد قالت في عدد سابق، إن قضية اختفاء الكاتب السعودي أحدثت بالفعل حالة من الارتباك في العلاقات بين واشنطن والرياض. وعلى الجانب السعودي أكدت وزارة الخارجية، الأحد 14 أكتوبر، رفضها لأي اتهامات أو تهديدات بفرض عقوبات اقتصادية بحقها، مشددة على أنه في حال اتخذت أي إجراءات ضدها فإنها سترد عليها بإجراءات أكبر. وقالت الخارجية السعودية- في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية “واس”- إن “المملكة تؤكد رفضها التام لأي تهديدات ومحاولات للنيل منها، سواء عبر التلويح بفرض عقوبات اقتصادية، أو استخدام الضغوط السياسية، أو ترديد الاتهامات الزائفة”. ويقلل العديد من الإعلاميين والكتاب السعوديين، المحسوبين على النظام عبر وسائل إعلامه، من خطورة تأثير قضية خاشقجي على العلاقات مع واشنطن، ويرون أن الأمر لا يعدو أن يكون زوبعة قصيرة، وأن الوقت كفيل بتهدئة الموقف، والعودة بالعلاقات لسيرتها الأولى. هل تستطيع السعودية معاقبة واشنطن؟ وبحسب الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام، فإنه من الناحية النظرية يمكن للسعودية أن تعاقب الولاياتالمتحدة ماليا، فالسعودية مثلا تستطيع أن تستخدم سلاح النفط في معركتها الحالية، وتمنع صادراتها النفطية من الوصول لأسواق العالم، ما سيتسبب في إحداث قفزات عنيفة في أسعار كل السلع الأساسية والمواد الأولية، حيث إن المملكة تعد أكبر منتج للنفط داخل منظمة «أوبك»، فهي تنتج ما يقرب من 11 مليون برميل يوميا، تصدر منها أكثر من 7 ملايين برميل، ومع قفزات أسعار النفط، في حال وقف السعودية صادراتها النفطية عقابا لأمريكا بسبب مطالبة إدارة ترامب بمحاكمة المتورطين في جريمة اغتيال خاشقجي، سيكون المواطن والاقتصاد الأمريكي أول المتضررين؛ لأن القفزة سيترتب عليها حدوث ارتفاعات في أسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز وغيرها، وكذا زيادة معدل التضخم ورفع سعر الفائدة، وهو ما يترتب عليه رفع تكلفة الأموال والقروض بالنسبة للمواطن والاقتصاد الأمريكي. وهذا الأمر سيربك، بالطبع، إدارة ترامب التي تتفاخر دوما بالنجاحات الاقتصادية وقدرتها على خفض نسبتي البطالة والتضخم رغم ارتفاعات الأسعار عالميا، وتوفير آلاف فرص العمل عبر زيادة الاستثمارات السعودية داخل أمريكا. بل يمكن للسعودية نظريًا أن تؤثر في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس إذا ما أوقفت صادراتها النفطية أو حتى رفضت زيادة إنتاجها النفطي، وأن تحرج ترامب وإدارته وحزبه وربما التسبب في فقدانه الأغلبية البرلمانية، وذلك في حال زيادة أسعار المنتجات البترولية، وهو ما يضعف موقف ترامب، خاصة في تمرير القوانين الجديدة أو تطبيق القوانين التي أقرها مثل قانون الإصلاح الضريبي. ويمكن للسعودية، إن أرادت، أن تسحب استثماراتها من أمريكا والتي تزيد على الألف مليار دولار (تريليون دولار) عدا استثمارات الأسرة الحاكمة، وهذا سيتسبب في إحداث هزة داخل قطاع المال والأعمال الأمريكي. وتستطيع كذلك أن تجمد صفقات السلاح الجديدة والبالغ قيمتها 110 مليارات دولار، وبالتالي التأثير على شركات صناعة السلاح في أمريكا. لكن عمليا يتساءل عبد السلام: هل تفعلها السعودية وتعاقب ترامب الذي هددها علانية بفرض عقوبات عليها إذا ثبت تورطها في اغتيال جمال خاشقجي؟ وهل تستطيع المملكة الرد على أي عقوبات أمريكية أو غربية محتملة ضدها بإجراءات أكبر، كما أكد مصدر سعودي مسئول أول أمس؟ عجز سعودي ويستبعد عبد السلام ذلك، مؤكدا «هناك شك في أن تتحول تهديدات السعودية لأمريكا إلى واقع أو أن ترى النور، والأسباب كثيرة، وأولها أننا لم نسمع من قبل عن سحب السعودية سنتًا واحدًا من الأسواق الأمريكية حتى في ذروة توتر العلاقات السعودية الأمريكية، والسعودية لا يمكنها التوقف عن تصدير النفط وإلا انهار اقتصادها؛ لأن أكثر من 95% من إيرادات المملكة تأتي من النفط وحده، وهناك قيود شديدة على سحب الأموال الأجنبية من المصارف الأمريكية أو حتى التخارج من الشركات وبيع المستثمرين عدة أسهم بها».