الدعم والتأييد المطلق من جانب الكنيسة الأرثوذوكسية لنظام الانقلاب العسكري يحظى باهتمام واسع من جانب وسائل الإعلام المختلفة، لا سيما وأن العلاقة بين الجنرال عبدالفتاح السيسي والبابا تواضروس الثاني تشوبها صفقة سرية تقوم على الدعم المتبادل؛ فكلاهما يحتاج إلى الآخر، السيسي يحتاج إلى دعم البابا والكنيسة بعد أن تآكلت شبعيته وباتت في الحضيض بفعل سياساته وتوجهاته الاقتصادية والسياسية التي أسهمت في زيادة معدلات البؤس والفقر على المستوى الاقتصادي وزيادة معدلات الغضب على المستوى السياسي والاجتماعي. دعم الكنيسة لا يقف فقط عند حدود الحشود في لجان انتخابات السيسي بل وخلال استقباله بالخارج وهو الأمر الذي اعتبره البابا تواضروس عملا بوصايا الإنجيل التي تقول “أكرم الملك” في سياق تبريره لحشود الكنيسة لاستقبال السيسي في نيويورك مدعيا أن ذلك لا يعتبر من أعمال السياسة. وبالطبع كانت زيارة البابا للولايات المتحدةالأمريكية والمتزامنة مع زيارة قائد الانقلاب خلل شهر سبتمبر الماضي 2018 تتضمن أهدافا سياسية بغطاء رعوي أهمها حشد الأقباط وإبراز الدعم للجنرال وبالطبع إقناع المسئولين الأمريكيين بضرورة استمرار السيسي في الحكم والكنيسة في مقابل ذلك تعدد مكاسبها منذ اغتصاب السيسي للحكم فقد بات لهم محافظان و39 نائبا في برلمان الأجهزة الأمنية.
الإنجيليون أكثر خطورة لكن الأكثر خطورة هو تزلف الجنرال للطائفة الإنجيلية، وذلك في سياق صفقاته الخفية مع قيادات الكنائس المختلفة خصوصا الأرثوذوكس والكاثوليك والبروتستانت “الإنجيليين”. وعلى الرغم من أهمية الكنيسة الأرثوذوكسية إلا أن هذا الاهتمام لا يعدو التأثير الداخلي على رعايا الكنيسة وبعض أقباط المهجر الموالين لها، وتحريك المؤسسات الحقوقية والإعلامية وأصحاب النفوذ التابعين لها من أجل دعم توجهات الكنيسة من خلال دعم النظام العسكري. لكن الكنيسة الإنجيلية والتي تمثل القوة الثانية بعد الأرثوذوكس في مصر تتمتع بنفوذ واسع على الإدارة الأمريكية وهيمنت منذ سبعينات القرن الماضي على الحزب الجمهوري، وينتمي لها اليمين المتطرف الذي ينتمي له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي التقى مؤخرا بقيادات الكنائس الإنجيلية وطالبهم ببذل مزيد من الجهد لمنع سيطرة الديمقراطيين على الكونجرس في انتخابات التجديد النصفي نوفمبر المقبل. ولعل هذا ما يفسر الاهتمام الخاص من جانب القاتل الملعون باستقبال قيادات الطائفة الإنجيلية بالولايات المتحدةالأمريكية، وهو ما دفع صحيفة “هآرتز”الصهيونية إلى التساؤل عن سر هرولة السيسي خلف شخصيات بارة في التيار المسيحي الإنجيلي. الصحيفة العبرية أشارت إلى أن جنرال الانقلاب أجرى لقاءين استثنائيين خلال العام الجاري، مع شخصيات بارزة ومعروفة جدا من تيار المسيحية الإنجيلية المعروف بقربها من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ودعمه لإسرائيل. وأوضحت أن اللقاء الأول كان في مصر قبل نحو 10 أشهر، حيث التقى السيسي وفدا مسيحيا مؤلفا من رجال دين وكتاب ونشطاء ينتمون إلى التيار الإنجيلي. واللقاء الثاني جاء خلال الأسبوع الماضي في نيويورك، وفق الصحيفة التي قالت: “الملفت أن اللقاء الثاني تم قبل ربع ساعة من لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش الدورة ال73 للجمعية العامة للأمم المتحدة”. ورأت “هآرتس”، في تقرير لها أمس الثلاثاء أعده الصحفي أمير تيبون، في “محاولات السيسي توطيد العلاقات مع التيار المسيحي الإنجيلي؛ بأنها خطوة استثنائية من جانب زعيم عربي”، وفق وصفها.
أغراض الهرولة وحول أغراض السيسي من وراء هذه الهرولة تقول الصحيفة إن “هم السيسي من وراء مغازلة الإنجيليين الذين يشكلون اليوم ربع طائفة المسيحيين في أمريكا، ويعدون مؤثرين جدا في السياسة الأمريكية في عهد ترامب، هو بناء مراكز دعم له قريبة من ترامب الذي يحظى بدعم كبير من هذا التيار”. وبحسب “هآرتس”، كانت اللقاءات من ناحية السيسي “جيدة، إذ حظي بدعم رجل الدين الإنجيلي الأمريكي، مايك إيفانس، الذي قال للسيسي خلال اللقاء إنه خلص مصر من ديكتاتورية الإخوان المسلمين، وأن الحرب ضد الإرهاب جزء من حقوق الإنسان”، وذلك على خلفية الانتقادات التي يتعرض لها نظام السيسي في مجال حقوق الإنسان. كما أشاد الناشط الإنجيلي جويل روزنبروج، والذي يستوطن بمدينة القدسالمحتلة، ب”الجهود السياسية التي يبذلها السيسي من أجل تحسين الحياة في غزة ودفع عجلة السلام الواقفة بين إسرائيل والفلسطينيين”، وفق قوله. ويمكن تفسير هذه الهرولة بمساعي الجنرال نحو إقناع الإدارة الأمريكية بأهمية توجهاته نحو إجراء تعديلات دستورية تفضي إلى استمراره في الحكم فترة أطول في ظل أنباء تتردد حول مساعي أجهزة النظام لإجراء تعديلات تستهدف مد فترة السيسي حتى 2024 بدلا من 2022 أو فتح فترات الترشح لأكثر من مدتين أملا في استمراره في الحكم حتى وفاته،