في الوقت الذي تكثر فيه الأحاديث عن مبادرات سياسية تنطلق من هنا وهناك لحلحلة الأزمة السياسية التي تسبّب بها الانقلاب العسكري، يقف أمام تلك المبادرات التى وصل عددها إلى 12 مبادرة، العديد من الدوافع والمنطلقات التي قد تعترض طريق تفكيك الأزمة. كان المجلس الثوري المصري قد أصدر بيانًا مشتركا مع 66 شخصية في الخارج، أمس الخميس، أوضح فيه الأخطاء التي وقعت فيها الطروحات السابقة، طارحًا خارطة طريق أمام جهود حلحلة الأزمة. وأكد المجلس أنه "لا يمكن التفاهم حول أي حل سياسي للأزمة في ظل غياب الرئيس الشرعي د. محمد مرسي عن سدة الحكم، وفي ظل حملات الإعدام غير المسبوقة، واستمرار حبس القيادات الوطنية والشعبية والثورية وعشرات الآلاف من الأبرياء، خاصة العلماء والنساء والأطفال". وأشار البيان إلى أنهم تابعوا "سيل المبادرات التي طرحت مؤخرا من الداخل المصري، وتم عرضها والترويج لها من خلال الآلة الإعلامية التي تبث من خارج مصر". ثوابت الحل وأضاف "أمام هذا السيل من المبادرات، فإن الموقعين على هذا البيان يؤكدون عدة ثوابت حول ما يتم طرحه من رؤى سياسية منذ الانقلاب العسكري الغاشم على إرادة الشعب المصري، وحقه الطبيعي والديمقراطي في اختيار من يقود مسيرته، وذلك بعدما أفصح الشعب عن إرادته في أول تجربة سياسية ديمقراطية حرة في تاريخ جمهورية مصر العربية خلال العام 2012". وأكد البيان أن القصاص لدماء الشهداء ثابت من الثوابت لا يمكن تجاوزه، موضحا أن "أي حل سياسي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعني التغافل عن حق القصاص للدماء البريئة التي أريقت منذ ثورة يناير وحتى الآن، وأي طرح يسير في هذا الاتجاه يصبح هو والعدم سواء، ذلك لأن حق القصاص لا يمكن لأحد التنازل عنه بتحصين المجرم من القصاص لدماء الشهداء". ثغرة السيسي وأشار المجلس الثوري إلى أن "فكرة التحصين التي يلح عليها طارحو هذه المبادرات، ورسل العسكر المتكررة لا تهدف إلا لأن يفلت القاتل من العقاب عن إراقة دماء الشهداء، وأن ينعم اللص بالأموال التي حصّلها من سرقته، ويريد أن يحصنها بتلك المبادرات، ويظل المجني عليه عاجزا عن استرداد حقه بالطرق المشروعة". وفي إشارة إلى فلسفة مبادرة معصوم مرزوق، رأى المجلس الثوري أن "فكرة تعيين أوصياء جدد على الشعب المصري بدعوى انتمائهم لمؤسسة القضاء أمر لم يعد ينطلي إلا على السذج، لا سيما أنه قد تبين للجميع حقيقة مؤسسة القضاء، وما تحويه من رموز فساد، من أبرزهم عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق، الذي كان طرفا رئيسيا في انقلاب يوليو 2013، وكان حكمه وصمة عار في تاريخ مصر". وناشد الموقعون على البيان جموع الشعب المصري عدم الانجرار خلف ما وصفوها ب"المهاترات التي لا تهدف إلا لتركيع مصر لعقود أخرى قادمة من الزمان، وكي لا يمتلك الشعب المصري إرادته وحقه في اختيار من يحكمه، وكذلك استمرار نهب وتدمير ثروات البلاد في ظل غياب الممثلين الحقيقيين لهذا الشعب عن مواطن اتخاذ القرار. يشار إلى أن نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، إبراهيم منير، كان قد أكد في تصريحات ل ل"عربي21″ الثلاثاء الماضي، أن "جماعة الإخوان لن تكون عائقا أمام أي جهود مخلصة لوقف نزيف الدماء وقمع الحريات، ولإعادة الحياة السياسية الديمقراطية إلى مصرنا العظيمة، مهما تجرعنا العلقم في سبيل ذلك". وهي التصريحات التي لاقت استحسانا من بعض السياسيين والثوريين، حيث وصفها رئيس حزب الغد أيمن نور، قائلا: "ما طرحه نائب المرشد العام للإخوان خطوة مهمة وإيجابية نحو حوار واسع بين مختلف مكونات الجماعة الوطنية، وأنا أرحب كثيرا بمثل تلك التصريحات والمواقف التي ينبغي للجميع أن يؤمنوا بها ويتعاطوا معها بشكل إيجابي، لأنه يمكن البناء عليها مستقبلا". وأضاف "هذه التصريحات تعكس طبيعة إبراهيم منير الشخصية الوطنية الهادئة والمتوازنة، والتي تجمع ولا تفرق"، مؤكدا أن "كل الأطراف في الجماعة الوطنية المصرية أصبح لديهم الآن يقين أنه لا خلاص لمصر مما هي فيه من أزمات طاحنة إلا بالتنسيق والتعاون الكامل بين الجميع، وعبر تقديم خطوات متبادلة نحو الآخر". ورأى نور أن تصريحات نائب المرشد الأخيرة "تعكس هذه الروح الطيبة والإيجابية والمأمولة، وتعكس حالة من العقلانية المطلوبة في التعاطي مع مبادرات الخروج من الأزمة التي يجب أن يدرك الجميع أنها ليست نصوصا مقدسة، بل هي اجتهادات مثمنة ومقدرة يمكن البناء عليها وتطويرها بما يحقق أوسع نطاق من التوافق الوطني حولها". وتابع: "رغم أنه من غير المتوقع قيام النظام بتقديم تنازلات أو حتى مجرد التفكير العلني في المبادرات المطروحة، إلا أن التغير الملموس في بوصلة الإخوان نحو الانفتاح على الآخر والترحيب الواضح بطرح حلول سياسية بعد تصريح نائب المرشد، أمر يراه الكثيرون غاية في الأهمية والوطن بأمس الحاجة له، ويجب على الجميع أن يحذو حذوه". وأوضح نور أن "تصريحات إبراهيم منير تجبر كل عقلاء النظام والقوى السياسية بمختلف أنواعها- ونحسبهم موجودين وفاعلين- على التفكير جديا في عمل سياسي حقيقي ينأى بمصر تماما عن توقع أي سيناريوهات مشؤومة يريدها لمصر أعداء استقرارها، وينبغي علينا استغلال حالة الزخم الموجود حاليا على الساحة السياسية قبل ألا يكون ذلك متاحا في وقت لاحق". وخلال ال3 شهور الماضية، أُعلنت 5 مبادرات تهدف لحل الأزمة، وهي مبادرة عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان كمال الهلباوي، وأستاذ العلوم السياسية حسن نافعة، والمرشح الرئاسي الأسبق عبد الله الأشعل، وعضو مجلس الشورى السابق محمد محيي الدين، وأخيرا مبادرة مساعد وزير الخارجية الأسبق معصوم مرزوق. وتبقى المبادرات محاولات لحلحلة الوضع القائم من أزمة متراكمة سياسيا واقتصاديا وحقوقيا، إلا أنها طالما بعدت عن لب القضية كانت للفشل أقرب. وكلما اقتربت من معالجة أساس القضية والأزمة المتمثلة في الانقلاب العسكري على رئيس منتخب بالقوة العسكرية يبقى الحل ممكنًا، وهو ما يقترب إلى حد كبير مع المبادرة التي طرحها المركز العربي للدراسات، الذي يترأسه الدكتور أحمد مطر، والتي تذهب إلى ضرورة عودة الرئيس محمد مرسي وبرلمان 2012. كما تضمنت المبادرة: الإقرار بأن ثورة شعب مصر العظيم في يناير 2011م هي نقطة التحول الرئيسية نحو صياغة جديدة لطبيعة العلاقات بين مؤسسات الدولة وفق قواعد الديمقراطية الحديثة التي تقوم على احترام إرادة الشعب في اختيار سلطة مدنية منتخبة في مناخ تعددية حزبية ومنافسة مفتوحة وحريات كاملة. وأشارت إلى أن ثورة يناير قد أفرزت برلمانا منتخبا يمثل 21 حزبا في انتخابات برلمانية شارك فيها 32 مليون ناخب، ثم توجت نجاحاتها بانتقال السلطة لأول مرة في تاريخ مصر الحديث بإرادة الشعب إلى أول رئيس مدني منتخب، ثم كللت جهود الثورة في ديسمبر 2012م، بأن منح الشعب نفسه أول دستور يقوم بصياغته بنفسه، وأن يوليو 2013م شهد انقلابا عسكريا حاول اغتيال ثورة شعب واغتصاب سلطة وتدمير اقتصاد وتخريب مجتمع. ودعت المبادرة كل الأطراف إلى التنازل لمصلحة الوطن والموافقة على الإجراءات التالية، وهي عودة الرئيس المنتخب إلى ممارسة سلطاته الدستورية- في إشارة إلى الرئيس محمد مرسي- وعودة برلمان 2012م بنفس تشكيله بعد 3 شهور من تولى الرئيس لمسئولياته، واستئناف العمل بدستور ديسمبر 2012م، وسقوط كل الدعاوى القضائية المسيسة منذ يوليو 2013م، وعودة كل المفصولين لأسباب سياسية لعملهم، وتعويض كل من تضرر من جرائم الانقلاب العسكري.