تمر صناعة الإعلام في مصر بأزمة، منذ الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو 2013؛ بسبب محاولات العسكر المستمرة للسيطرة على وسائل الإعلام، وفرض أجندة الشئون المعنوية على إدارات القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية، ما دفع القنوات والصحف الموالية للنظام للخروج عن صمتها والكشف عن أسباب الأزمة؛ خوفا من أن تطولها. صحيفة "التحرير" الموالية للانقلاب العسكري، نشرت اليوم الثلاثاء، تقريرا تحدثت فيه عن تغيُّر الخريطة الإعلامية ومراحل تسريح الإعلاميين في القنوات بعد إغلاقها، محذرةً من القادم الذي ينتظرها. صفقة خفية وأشارت الصحيفة إلى وجود صفقة خفية، بدأت منذ أن تحولت خريطة المُلاك في الإعلام الخاص، خاصة بعد إعلان رجل الأعمال "أحمد أبو هشيمة" عن استحواذ شركته "إعلام المصريين" على كامل أسهم قناة ON المملوكة لرجل الأعمال "نجيب ساويرس". وسردت الجريدة التغيُّرات التي طرأت على القنوات الإعلامية منذ أغسطس 2016 حتى الآن، قائلة: في أغسطس 2016، أعلن رجل الأعمال "أبو هشيمة" عن تعاقد ON مع الإعلامي "عمرو أديب" بعد رحيله عن مجموعة قنوات "أوربت" المشفرة، لتستحوذ بعدها "إيجل كابيتال" برئاسة وزيرة الاستثمار السابقة "داليا خورشيد"، في ديسمبر 2017، على أسهم "أبو هشيمة" في شركة "إعلام المصريين"، ليتم الإطاحة برئيس تحرير قناة ON live "جمال الشناوي"، ثم رئيس القناة "أحمد عبد التواب"، وتم التعاقد مع الدكتور "محمد سعيد محفوظ" خلفًا للأول، و"مصطفى شحاتة" رئيس قطاع الأخبار بالتلفزيون المصري، خلفًا للثاني، وبعد مرور شهر واحد تمت الإطاحة بهما معًا. وعلى الجانب الآخر تمت الإطاحة برئيس قناة ON E "مصطفى السقا"، وخلفه الإعلامي "عمرو رزق"، قبل أن تتم الإطاحة به هو الآخر، ثم نُصب "خالد مرسي" رئيسًا للشبكة بقناتيها ON E – ON live. وفي مارس وأبريل 2018، تمت الإطاحة بثلاثة إعلاميين موالين للانقلاب، وهم الدكتور "معتز بالله عبد الفتاح"، و"لبنى عسل"، و"شافكي المنيري" من قنوات "ON". ونوه التقرير إلى اختفاء الإعلامي "إبراهيم عيسى" منذ رمضان الماضي، بعد أن كان يُقدّم برنامج "حوش عيسى" على ON E منذ مطلع العام 2018، وفي يوليو 2018 أعلنت شركة "إعلام المصريين" عن توقف بث ON Live الإخبارية، وإطلاق القناة الرياضيةON SPORT 2. وأشار التقرير إلى ترحيل عمالة مجموعة ON منذ بداية العام، وهي تقوم بعملية فصل لعدد كبير من العاملين بها، وزاد ذلك بالطبع مع إغلاق إحدى قنواتها. أما قناة "الحياة"، فقد أعلن السيد البدوي، مالك مجموعة قنوات "الحياة"، في أكتوبر 2016، عن بيعها بصفة نهائية لشركة "تواصل"، مقابل مليار و400 مليون جنيه، وفي نوفمبر 2017 تم الحجز على أرصدة قناة "الحياة" بالبنوك لسداد ديون MBC، لتشهد القناة بعد ذلك أزمة تأخر رواتب العاملين؛ مما أدى إلى الاستغناء عن عدد كبير منهم، كما استقال كل من "عماد الدين أديب" و"هالة سرحان" و"جيهان منصور" وغيرهم من العاملين بالقناة، فضلاً عن تسريح عمالة 106 من العاملين، والاستغناء عن عمرو الليثي. وأكدت الجريدة الموالية للسلطة العسكرية، أن صناعة الإعلام أصبحت تضيق ذرعًا بأهلها، مؤكدةً عقد صفقات كثيرة لم يتم الإعلان عنها، متوقعة استمرار نمط السيطرة على المؤسسات الإعلامية خلال الفترة المقبلة، مؤكدةً أن سوق الإعلام تتجه للانكماش الشديد لأسباب متعددة، أهمها الأزمة الاقتصادية، وانخفاض كعكة الإعلانات، خاصةً على البرامج السياسية التي لم تعد أيضًا جاذبةً للجمهور كما كان في السابق. وتابعت الجريدة قائلة: "من الواضح أيضًا أن بورصة الأسعار تتعرض للركود الشديد خصوصًا لكبار الإعلاميين، فمن كان يتقاضى عشرة ملايين جنيه سنويًا، تفاجأ أن المبلغ انخفض إلى النصف تقريبًا، مثلما حدث مع الإعلامية "لبنى عسل" قبل رحيلها عن ON، حيث تم تخفيض الراتب إلى النصف تقريبًا". 4 أسباب وراء الأزمة ورأى الدكتور ياسر عبد العزيز، الخبير الإعلامي، أن صناعة الإعلام في مصر تمر بأزمة حقيقية، على أصعدة الإدارة والتمويل والمحتوى، موضحًا أنه ربما تكون هذه الأزمة هي أكبر الأزمات التي شهدتها الصناعة منذ بدء الازدهار في تسعينيات القرن الماضي. وقال عبد العزيز، في تصريحات صحفية ل"التحرير": "رأينا ازدهارا في الصناعة على مستوى الملكية والتمويل اعتبارًا من منتصف تسعينيات القرن الماضي، وحتى العام 2013، حقبة الازدهار تلك انطوت على عوامل ضمور، وبالتالي في السنوات الأربع الأخيرة دخلت الصناعة في نفق مظلم، ولا توجد بوادر ضوء في المدى المنظور". وأشار إلى أن أسباب الأزمة تتلخص في 4 أسباب وهي: "خروج المال السياسي، حيث كان يأتي هذا المال من دول وجماعات من أجل اتخاذ مناطق ارتكاز في مصر، وتراجع ومراجعة إنفاق الدولة في المجال الإعلامي، وتدهور عائدات صناعة الإعلانات بسبب المشكلة الاقتصادية، فضلاً عن أنماط الملكية السائدة داخل قطاع الإعلام في مصر لا تعرف قدرا مناسبا من التعدد والتنوع، وغياب التنوع والتعدد يُصيب الصناعة بالبوار. واختتم "عبد العزيز" حديثه قائلًا: "عوامل ازدهار الصناعة في الفترة السابقة لم تعُد موجودة خلال السنوات الأربع الأخيرة، والصناعة حاليًا في نفق، وأظن أن فترة بقائها داخله ستطول"، مضيفا أن "صناعة الإعلام في مصر ترتكز على التمويل السياسي كدُعامة أساسية، وهذا التمويل لم تعُد هناك فرصة أو حاجة له".