بعد أن كانت قضية اللاجئين الفلسطينيين، الذين شُردوا من ديارهم قهراً وبقوة سلاح المحتل الإسرائيلي، تمثل حالة ألم ومعاناة للكثير من الدول العربية والغربية وبحثهم الدائم عن حلول عادلة لإنهائها، أصبحت القضية اليوم ورقة مساومة تهدد مصير ملايين الفلسطينيين حول العالم وتضعهم على حافة الخطر. كان المئات من موظفي وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بغضب، داخل مقر الوكالة الرئيسي في مدينة غزة، قد احتجوا على قرار إنهاء خدمات نحو ألف منهم ضمن تقليصات مست اللاجئين في قطاع غزة، فى اطار القرار الأخير الذي صدر عن الإدارة الأمريكية، بتجميد 125 مليون دولار، من مساهمتها في ميزانية وكالة "الأونروا"، لم تتوقف خطورته على صدوره فقط، بل ما بات يُقلق فعلياً هو مدى نجاح واشنطن في التأثير على الدول الأخرى الداعمة للأونروا لوقف تمويلها. وكانت الولاياتالمتحدةالأمريكية أكبر جهة مانحة في عام 2013، وتجاوز مبلغ 130 مليون دولار، وبعدها الاتحاد الأوروبي الذي منح أكثر من 106 مليون دولار. وشكلت تلك التبرعات حوالي 45 في المائة من إجمالي الواردات التي حصلت عليه الأونروا. ولكن وبحسب المسئولين الأمريكيين، فقد قررت حكومتهم حجب 65 مليون دولار عن الوكالة بعد أن قوبل قرار الرئيس ترامب بإعلان القدسالمحتلة عاصمة ل"إسرائيل" بالرفض من قبل الفلسطينيين وبعض الدول الإقليمية والأوروبية. السعودية في خدمة ترامب عضو في اللجنة المركزية لحركة "فتح" كشف أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ستُمارس ضغوطاً كبيرة على جميع الدول الأوروبية والعربية التي تدعم وكالة الغوث مالياً وإنسانياً، لوقف كل تمويلها تدريجياً خلال العام الجاري 2018، للضغط على السلطة الفلسطينية. ويقول القيادي من حركة فتح: إن "خطورة قرار واشنطن لا يتوقف عند تعليق مساعداتها التي تقدم لوكالة الغوث، ولكن نحن نخشى أن تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطها وابتزازاتها السياسية والمالية على باقي الدول التي تدعم الأونروا، ومنها الدول العربية". وكشف المسئول الفلسطيني في تصريحات صحفية: "وصلتنا بعض المعلومات الرسمية أن ثالث أكبر ممول لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وهي السعودية، ستجمد تمويلها بشكل تدريجي، حتى يتوقف بشكل كامل خلال الشهور القليلة المقبلة، وذلك تماشياً مع التوجهات والضغوط الأمريكية". وأوضح أن "التمويل المالي الذي تقدمه السعودية للأونروا شهد خلال الشهور الأخيرة تراجعاً من حيث المبلغ المقدم، وكذلك التأخير في توصيله لخزينة وكالة الغوث، التي ترعى وتوفر الاحتياجات الإنسانية الخاصة لملايين اللاجئين داخل فلسطين وخارجها بالدول العربية خاصة في سوريا والأردن والعراق". ثمن الصمود ويلفت القيادي إلى أن السعودية تمثل ثالث أكبر حصة في دعم "الأونروا" بعد أمريكا والاتحاد الأوروبي ب 148 مليون دولار أمريكي، وفي حال نفذت تهديدها سيكون له نتائج كارثية وكبيرة على اللاجئين الفلسطينيين. وكشف أن العلاقات بين الرئيس محمود عباس والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ليست على أحسن حال، وتمر بحالة توتر كبيرة، على خلفية استخدام الرياض الضغوط على الأول للقبول ب"صفقة القرن"، رغم التصعيد الأمريكي السياسي والاقتصادي ضد الفلسطينيين والتجاوب معه"، لافتاً إلى أن "الرياض ستستخدم ورقة اللاجئين الشائكة وتمويل الأونروا للضغط علينا"، واصفاً ذلك بأنه "ابتزاز سياسي لن نخضع له مهما كانت الظروف". كان ترامب قد هدد في تغريدات على تويتر، بأن الولاياتالمتحدة قد توقف المساعدات للفلسطينيين، متهماً إياهم بأنهم "لم يعودوا مستعدين للمشاركة في محادثات السلام" مع إسرائيل، وفي وقت لاحق أوضحت المندوبة الأمريكية لدى الأممالمتحدة نيكلي هايلي أنه "سوف يوقف الدعم الذي تقدمه الولاياتالمتحدة لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)". مسئول دائرة شؤون اللاجئين في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عصام عدوان، أكد أن قضية اللاجئين الفلسطينيين تتعرض خلال هذه الفترة لأبشع وأخطر المؤامرات لإنهائها بشكل كامل وتصفية حق العودة، وأضاف "كانت قضية اللاجئين في السابق تمثل لكل الدول العربية والأوروبية حالة من الألم والقلق على مصير مئات آلاف الفلسطينيين الذين شردوا من أرضهم بقوة السلاح الإسرائيلي، لكن اليوم باتت هذه القضية تستخدم ورقة للمساومة والحصول على التنازلات". وشدد على أن "كل المؤامرات التي تحاك ضد قضية اللاجئين من قطع للتمويل المالي ورهنها بالمواقف السياسية، لن تنجح أبداً، وستفشل أمام صمود الفلسطينيين وتحديهم وتمسكهم بقضيتهم المصيرية، التي لا تقبل أي مساومة إلا بإعادة الحق لهم وعودتهم لوطنهم". واعتبر ما يجري الآن بأنه اتباع لسياسة "قتل اللاجئين الفلسطينيين" والتضييق عليهم وزيادة تأزم أوضاعهم الإنسانية والمعيشية في كل أماكن وجودهم، مشيراً إلى أن "أوضاع اللاجئين باتت تقترب من الكارثة الكبرى"، وكشفت وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا" عن وقوع حالات إغماء بين الموظفين بعد تلقيهم إشعارات خطية بإنهاء عملهم، فيما مزق عدد آخر الإشعارات، وصرخوا بأعلى صوتهم ضد مدير عمليات أونروا في غزة ماتياس شمالي "ارحل ارحل يا ماتياس".