يتنفس قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي الكذب كما يتنفس الهواء، فمنذ أول يوم خرج فيه على المصريين، وأقسم يمينا مغلظة بالولاء للدولة الديمقراطية الدستورية، وعدم الخروج على النظام الجمهوري الذي كان يترأسه الرئيس محمد مرسي، حنث بيمينه وانقلب على رئيسه واختطفه ووضعه مع عشرات الآلاف في السجون، بالتعاون مع شركائه من تجار السلاح وقيادات العسكر. ثم خرج السيسي بعد انقلابه، ووعد المصريين بأنهم "نور عينيه"، ثم أقسم أنه لن تكون هناك أي زيادة في الأسعار، ولن يكون هناك أي قرار ضد الغلابة، ثم حنث بيمينه. كذب السيسي في ليلة القدر وجاء السيسي في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وتعمد فيها الكذب رغم جلال هذه الليلة، وقال إنه يزف بشرى سارة للمصريين، ولكنه يؤجلها لما بعد العيد مباشرة. واستغل نظام السيسي مباريات كأس العالم ليفاجئ المصريين بزيادة جنونية في أسعار الوقود والكهرباء والمواصلات مجددا، وقال السيسي "علينا أن ندفع جميعا الثمن"، ففي صباح ثاني أيام عيد الفطر، 16 يونيو 2018، رفعت حكومة الانقلاب الجديدة بعد توليها مهامها بأيام أسعار الوقود بنسبة تراوحت بين 17.5% و66.6%، كما رفعت أسعار أسطوانات الطهي للمنازل والاستخدام التجاري. زيادة تعريفة الركوب أعقب ذلك القرار إعلان زيادة تعريفة ركوب سيارات النقل بجميع محافظات الجمهورية بين 10% و20%، وسط استنفار وحضور أمني مكثف بجميع مواقف السيارات بالمحافظات المختلفة وانتشار الكمائن الأمنية على الطرق، وداخل محطات مترو الأنفاق أيضا. ومنذ تعويم الجنيه وتحرير سعر الصرف، في 3 نوفمبر 2016، رفعت مصر أسعار الوقود ثلاث مرات، ضمن اتفاق أبرمته مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار. وخلال شهر واحد رفعت حكومة الانقلاب أسعار جميع الخدمات، بدءا من تذكرة المترو التي ارتفعت بنسبة 250%، ورفع أسعار المياه بنسبة 46.5%، ورفع أسعار الكهرباء 26%، إلى رفع أسعار الوقود وأسطوانات الغاز ورفع أسعار وسائل النقل مؤخرا. زيادات مضطردة ومنذ استيلاء السيسي على الحكم في 2014، شهدت أسعار الوقود وأسطوانات الغاز زيادة وصلت إلى 900%، إذ ارتفع سعر بنزين عيار 80 بنسبة 511%، وبلغت نسبة الزيادة في بنزين عيار 92 ما يقرب من 265%، وزاد بنزين عيار 95 بنسبة 32%، وارتفع سعر السولار 400%، كما ارتفع سعر الغاز المنزلي بنسبة 900%؛ إذ ارتفع سعر الأسطوانة بعد الزيادة الأخيرة في يونيو 2018 إلى 50 جنيهاً، مقارنة ب8 جنيهات في يوليو 2014. بدوره أكد وزير بترول الانقلاب طارق الملا، أن رفع سعر الوقود سيوفر للدولة 50 مليار جنيه (2.8 مليار دولار) في السنة المالية الجديدة التي تبدأ أول يوليو 2018، مضيفا أن هذا القرار قلّص دعم المواد البترولية في موازنة 2018 – 2019 إلى 89 مليار جنيه بدلاً من 139 مليارا. وقال إن رفع أسعار الوقود سيعمل على ترشيد استهلاك المواد البترولية بنسبة 5%. ويتحمل المواطن وحده فاتورة ما تطلق عليه الحكومة "خطة الإصلاح الاقتصادي"، فرغم ثبات دخول المصريين باتوا مجبرين على تحمل تلك الزيادة الكبيرة بالأسعار، التي تلتهم رواتبهم، وتستخدم الدولة عصا الأمن المرفوعة بوجه من يحاول الاعتراض. كارثة محققة وأكد الخبير الاقتصادي وائل النحاس أن مصر تسير في تجاه الكارثة، ولا يوجد تحسن في الاقتصاد، وما تفعله الحكومة عبارة عن خطة فشل في الإصلاح الاقتصادي. وأبدى النحاس دهشته، خلال تصريحات صحفية اليوم الخميس، من رفع الحكومة أسعار الوقود والخدمات في ظل غياب الاستقرار الاقتصادي والأمني، مشيرا إلى أن هذه القرارات ستؤدي لمزيد من التضخم. وأوضح أن رفع سعر الوقود سيؤدي إلى زيادة عجز الموازنة ورفع أسعار السلع والنقل، مضيفاً أن "الحكومة ترفع أسعار الوقود منذ أربع سنوات والمواطن وحده هو من يتحمل تلك الزيادة"، في ظل التخطيط الاقتصادي الفاشل منذ نحو 6 سنوات، ويدفع المواطن ثمن ذلك. كم سيتحمل المصريون؟ وتساءل الخبير الاقتصادي قائلا: "هل يستطيع المصريون تكملة تلك الخطة الإصلاحية؟ وكم سيتحمل المصريون؟ ومن سيسبق أولا: المواطن أم خطة الإصلاح الاقتصادي التي تتبعها الحكومة؟". ولفت إلى أن المصريين لا يثورون من أجل غلاء الأسعار، ولكن يحدث نوع من العصيان المدني وسرقة للخدمات، ويتحايل المواطنون للتخلص من تلك الزيادة ويرتفع مستوى الجريمة. وقال: "الكارثة أن الوزراء يتباهون برفع الأسعار قبل نظرائهم بالوزارات الأخرى، ولا يهتمون بمتطلبات المواطن". وحول تصريح وزير البترول بأن القرار سيوفر للموازنة 50 مليار جنيه، أكد النحاس أنها محض تصريحات استهلاكية لا تمس الواقع بصلة. ولفت النحاس إلى أن "سقف الدين وفوائده تزيد بشكل غير طبيعي؛ فمصر مطالبة يومياً بسداد 1.6 مليار جنيه كديون"، مؤكدا أن ما تمر به مصر من كوارث اقتصادية هو تبعات قرار تعويم الجنيه وخفض قيمته. كما أشار إلى أنه لا يشترط أن تُكمل مصر رحلتها مع صندوق النقد الدولي، متسائلاً: "ماذا ستفعل مصر ب12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي؟". حالة غليان فيما أكد رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية، ممدوح المنير، أن "المجتمع المصري في حالة غليان، وأن المصريين يحاولون التأقلم مع ما يعيشونه من ظروف اقتصادية سيئة"، لكن هذا الغليان قد يقود الشارع إلى فرض حالة من العصيان المدني ضد الحكومة. وشدد على أنه في حالة وصول المصريين إلى مرحلة لا يستطيعون فيها التأقلم مع معاناتهم، "وقتها سينكسر حاجز الخوف، وينزل المصريون للشوارع، لكن وقتها ستكون ثورة جياع مدمرة للجميع". ولفت إلى أن "السيسي يحاول إيصال رسالة الخوف للمصريين حتى لا يخرجوا للشوارع مرة أخرى"، متابعاً: "كما أنه يعمل على تحويل غضب المصريين عن حكمه إلى افتراس بعضهم بعضاً؛ من خلال السرقة والنهب نتيجة ما يعانونه من أوضاع اقتصادية متردية".