على عكس معظم دول العالم، سادت الفرحة في تل أبيب وعدد من عواصم الخليج، منها الرياض وأبو ظبي، على خلفية الإقالة المهينة من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون، حيث علم الوزير بإقالته من خلال تدوينة لترامب على موقع تويتر. وتسود في أوساط هذه العواصم أنباء تؤكد دورها في هذه الإقالة للوزير السابق؛ على خلفية عدد من الملفات، من أهمها ملف نقل السفارة الأمريكية للقدس، والموقف من الحصار السعودي الإمارتي لقطر، والملف الإيراني. انتصار للصهاينة وبحسب مراقبين ومحللين، فإن إقالة تيلرسون وتعيين مايك بومبيو، رئيس جهاز المخابرت "سي آي إيه"، يعد انتصارًا للصهاينة وتعزيزًا لنفوذ اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ونشرت صحيفة "هآرتس" مقالا لمراسلها في أمريكا كيمي شاليف، يقول فيه إن إسرائيل ومؤيديها من اليمين الأمريكي سيحتفلون بالإقالة غير اللائقة لوزير الخارجية الأمريكي، وتنصيب مدير وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو مكانه. ويقول شاليف: "كان ينظر إلى تيلرسون على أنه متحفظ وبعيد عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، في الوقت الذي ينظر فيه إلى بومبيو على أنه مؤيد حميم، وكان تيلرسون حريصا على الاحتفاظ بالاتفاق النووي مع إيران، بينما يميل بومبيو إلى رأي دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، بالحاجة إلى تعديله أو الانسحاب منه تماما". كما ينظر الصهاينة إلى تعيين "جينا هاسبل" بدلا من بومبيو رئيسة لوكالة الاستخبارات المركزية، على أنه مفيد؛ فقد كانت المسئولة عن العمليات (السوداء) ضد ما أسمته "الإرهاب" لسنوات عدة، وهي متورطة في استخدام التعذيب ضد قيادات ممن وصفتهم بالمتطرفين الإسلاميين والتعتيم عليه". ويجد الكاتب أنه "مع أن كلا من بومبيو وهاسبل أكثر تشددا تجاه روسيا من تيلرسون، إلا أن إقالته خلال 24 ساعة من تحميله موسكو المسئولية عن تسميم العميل المزدوج سيرغي سكريبال في بريطانيا، لا يمكن إلا أن يزيد من الشكوك بأن ترامب يأخذ أوامره مباشرة من الكرملين". وماذا بعد الإقالة؟ وفي مقاله "ماذا تعني إقالة تيلرسون للمنطقة؟" يرى الكاتب والمحلل السياسي خليل العناني، أن خلافات عديدة جرت بين الرجلين خلال الشهور الماضية، خصوصا في ملف كوريا الشمالية، حيث نجح تيلرسون في احتواء تبعات تصريحات ترامب الجنونية، وتهديداته بقصف بيونغ يانغ الصيف الماضي، وملف الأزمة الخليجية التي تعاطى معها ترامب أيضا بقدر كبير من الجهل والتخبط، خصوصا في بدايتها، وحاول تيلرسون تقليل آثاره الضارة بشأن الأزمة. تعيين بومبيو وزيرا للخارجية بحسب العناني، وهو المعروف بتعصبه وعنصريته، يعني أننا قد نشهد تغيراً في معالجة أميركا للملفات الخارجية، خصوصا ملفات الشرق الأوسط، وتحديداً ملفي إيران والأزمة الخليجية. حيث أشارت صحيفة واشنطن بوست إلى أن إقالة تيلرسون تعني قطع آخر خيوط الاعتدال في إدارة ترامب الذي "يسعى إلى إحاطة نفسه بعدد من الصقور وأصحاب الخلفية العسكرية ممن يشاطرونه أفكاره وتوجهاته ويدينون له بالولاء الكامل". ويرى العناني أنه بالنسبة إلى ملف إيران، يعد بومبيو من الصقور الذين يرفضون الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع الدول الغربية قبل ثلاثة أعوام، ولديه تصريحات عديدة في هذا الشأن. وهو يرى أن الحل الأفضل للتعاطي مع إيران هو مزيد من العقوبات، كما يدافع عن بقاء الخيار العسكري على طاولة العلاقة مع طهران. وفيما يتعلق بالأزمة الخليجية، لا يوجد موقف واضح لبومبيو منها، على الأقل حتى الآن، وإن كان بعضهم يربط بين إقالة تيلرسون والمساعي الإماراتية لتحقيق ذلك، من خلال علاقات مشبوهة برجال أعمال مؤثرين داخل إدارة ترامب، وتأثيرهم على صهره ومستشاره جاريد كوشنير. وفي الوقت الذي تتحدث فيه تقارير صحفية عن أن بومبيو يحتفظ بعلاقاتٍ جيدة مع الإمارات والسعودية، وأنه لربما ينحاز لرؤيتهما في كيفية التعاطي مع الأزمة الخليجية، إلا أنه من الصعب التأكد من الأمر حالياً، خصوصا أن كوشنير نفسه معرّض للخطر واحتمالات خروجه من إدارة ترامب تتزايد كل يوم مع توسع التحقيقات التي يجريها المحقق في مسألة التورط الروسي في الانتخابات الأميركية، روبرت موللر، والتي ربما تدين أيضا الإمارات، لدورها الغامض في الموضوع نفسه. كما أن هناك تحسنا متزايدا في العلاقات بين قطروالولاياتالمتحدة على المستويين الاستراتيجي والاقتصادي، وهو ما قد يدفع بومبيو إلى اتخاذ موقف معتدل ومتوازن في التعاطي مع أطراف الأزمة. ووفقا للعناني فإنه من السابق لأوانه معرفة توجهات بومبيو في هذه المسألة، فإن القمة الخليجية التي يجري الحديث عن عقدها في أميركا في شهر مايو المقبل، ستكون أول اختبار حقيقي لمعرفة موقف الرجل، وتوجهاته تجاه المنطقة.