ذكرتنى الأجواء التى عاشتها مصر الأيام الماضية والساعات الأخيرة بأجواء الانتخابات حيث تتابع التيارات والأحزاب والقوى السياسية المخلتفة الأحداث من خلال غرف العمليات الخاصة بها. وتعيش فى الأجواء ذاتها من خلال المتابعات اللحظية لوسائل الإعلام التى تحرص على أن تنشر كل صغيرة وكبيرة وترصد ما يقال وما يقع وما يتفاعل من أحداث هنا أو هناك. إلا أن هناك فارقا شاسعا وتباينا واضحا بين جو الانتخابات البرلمانية أو أى انتخابات واستفتاءات وبين الأجواء التى مرت بمصر خلال الساعات الماضية والأيام التى سبقتها. صحيح أن الانتخابات تتولد عنها سخونة فى التنافس الذى تصل حدته إلى درجة الصراع فى كثير من الأحوال، إلا أن الأمور تمر حينها فى الحدود الآمنة والمستوى المقبول الذى تحسمه نتيجة الصندوق. فى المقابل سادت مصر خلال الأيام الماضية والساعات الأخيرة ساعات حبس الشعب فيها أنفاسه من قبل أن يتبين اللحظة التى يمكن أن تنتهى فيها الأزمة أو تنكشف فيها الكربة. الانتخابات يخرج منها مهزوم ومنتصر عندما تعلن المؤسسات المختصة والمشرفة على العملية الانتخابية نتيجة التنافس أو حتى الصراع بين الأطراف المشاركة فى العملية السياسية. بينما يكون الوطن فى حالات العنف والفوضى التى فرضتها جماعات المعارضة على الناس هو الخاسر الأكبر والمتضرر من جراء ما حدث ويحدث ودون أن يحل مشكلة أو يتغلب على أزمة. فى الانتخابات يشعر الناس أنهم أمام تجربة ديمقراطية تستوجب التحدى والتفاعل مع الناس وإقناعهم بأدوار إيجابية أو برامج مستقبلية يمكن أن تحقق للمواطن نفعا او تخفف عنهم عبئا. بينما فى حالة الفوضى التى نحياها ويسعى البعض لإغراق البلاد فيها فنحن إمام واقع مختلف تتراجع فيه البرامج وتختفى فيه القناعات ويعلو فيه صوت العنف وترتفع فيه رايات الشقاق. إن ما بين الحالتين من تناقض واختلاف يفوق ما بينهما من تشابه واقتراب.. فهل نعى الدرس ونقتنع بنتائج الصندوق ونستقر عند مربع الديمقراطية ونقف عند مقتضياتها وآلياتها؟ بدلا من أن ننقلب عليها وندفع ببلادنا إلى المجهول!