زعمت حملة "تمرد" أنها جمعت توقيعات من 15 مليون مواطن لسحب الثقة من السيد الرئيس المنتخب! وهذا الرقم -حال صحته- يعنى أن المعارضة لا تحتاج إلى مظاهرات وخرطوش ومولوتوف وقطع طرق واعتداء على الخصوم وسفك للدماء كما جرى فى الفيوم والرغبية وغير ذلك من الممارسات التى تناقض الدستور والقانون فضلا عن الديمقراطية وأدواتها التى توافق الشعب على أن تكون مرجعية عند الاختلاف وأن يكون الشعب هو الحكم والفيصل فى الخلافات السياسية. فهذا الرقم يعنى أن المعارضة عليها أن تضغط بقوة من أجل الانتخابات البرلمانية حتى تسحق الإسلاميين بالضربة القاضية وتحصل على الأغلبية المريحة التى تمكنها من السيطرة على السلطة التشريعية ثم تشكيل الحكومة وإجراء التعديلات المطلوبة على الدستور والمشاركة بالنصف على الأقل فى صناعة القرار؛ وذلك لأن صلاحيات رئيس الوزراء لا تقل عن صلاحيات الرئيس. ورغم أن هذا السيناريو واضح وبسيط ويتسق تماما مع الدستور والقانون إضافة إلى القيم والأصول الديمقراطية ويعلى من إرادة الشعب باعتباره السيد الذى يمنح الشرعية لمن يشاء إلا أن المعارضة ترفضه؛ لأنها ليست واثقة من نفسها أمام هذا الاستحقاق واللجوء إلى الشعب خصوصا بعد هزائمها المتتالية أمام الإسلاميين فى كل الاستحقاقات الماضية. ورفض تمرد والمعارضة لاستغلال هذه الأرقام الهائلة فى الفوز بثقة الشعب يعنى أن تعلم أن هذه الأرقام هى مجرد أكذوبة كبرى أسهم الإعلام العلمانى فى ترويجها وهم يعلمون أنهم يكذبون. أعلم أن البعض ربما يقول: كلامك هذا مردود عليك.. والمعارضة لا تريد السطو على الحكم بالعنف والمظاهرات ولكنها فقط تدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة ومن ثم هم يريدون اللجوء إلى الشعب! الحقيقة أن مثل هذا الكلام مردود عليه من عدة زوايا: أولا: مثل هذا الإجراء يخالف الدستور والقانون فضلا عن تناقضه مع قيم الديمقراطية وأصولها. ثانيا: لأنه يستحيل أن تأتى برئيس عليه إجماع ؛ فكل شخص له مؤيدون وله معارضون وهذا الإجراء -حال حدوثه- لن يجعل للصندوق قداسة، وسيهدر إرادة الشعب كل مرة، وسينسف المسار الديمقراطى من الأساس، ولن يبقى للوطن رئيس يكمل مدته الدستورية والقانونية.. فكلما جاء رئيس أسقطه معارضوه بالقوة والعنف والمظاهرات، وهو ما يدخل البلد فى مرحلة من الفوضى التى لا تُبقى ولا تذر. ثالثا: من يضمن لنا إذا فاز الإسلاميون فى هذا الانتخابات الرئاسية المبكرة مرة أخرى بأن دعاة الفوضى والتخريب سيكفون عن غيهم وسيحترمون نتيجة الصندوق وهم لم يحترموها فى كل الانتخابات السابقة. رابعا: إذا فاز رئيس علمانى بالرئاسة ومضى على حكمه عدة شهور أو عام دون إنجاز وهذا متحقق خصوصا مع التركة الثقيلة التى تركها المخلوع أليس من حق معارضيه أن يطالبوا بعزله أو بانتخابات رئاسية مبكرة؟ أم أن العلمانيين يعطون لأنفسهم هذا الحق ويحرمون خصومهم منه؟!! وهذا ولا شك عبث وفوضى وعلى الشعب أن يتصدى لمثل هذه الممارسات الشاذة التى تخالف الدستور وتنسف المسار الديمقراطى من الأساس، وتؤسس لدولة الفوضى التى لن يتمكن فيها رئيس من استكمال مدته الدستورية مما يفاقم أوضاع البلاد ويضاعف من معاناة الشعب.