مما ابتلى الله به مصرنا الحبيبة مجموعة من مدعى المعارضة أو العمل السياسى ومن مشتاقى المناصب والوجود فى دائرة الضوء مهما كان الثمن ولو على حساب الوطن، مجموعة على أتم الاستعداد للتحالف مع الشيطان ذاته فى سبيل الوصول لمصالحها الخاصة. وتجلى ذلك بوضوح فى دعوات بعضهم بضرورة احتضان فلول النظام السابق لإسقاط الرئيس المنتخب، وطالب آخر بضرورة التصالح مع رموز النظام السابق، وهو ما يعد تطبيقا عمليا لقاعدة "الغاية تبرر الوسيلة". إن المعارضة فى العالم كله هى الضمير النابض للشعب، وهى جرس الإنذار لمن فى السلطة لتنبيهه إذا حاد عن الطريق، وهى فى الوقت ذاته تقدم نفسها بديلا له من خلال تقديم مشاريع سياسية وإنمائية للمجتمع الذى تتواصل معه لنيل ثقته، ولا تتكبر عليه وتزايد على خياراته، كما أنها تؤمن بالديمقراطية وتتقبل الهزيمة وتعمل لتجاوزها فى الدورات اللاحقة، فهكذا تكون المعارضة وهكذا يكون الأداء الديمقراطى والتداول السلمى للسلطة. وللأسف فإن معظم القوى المسماة ظلمًا بالمعارضة عندنا تخالف كل ما سبق، والواقع يؤكد ذلك، والحقائق الثابتة خير دليل على صحة ما أقول، فهم يتفننون فى إهدار الإرادة الشعبية وتسفيهها والتحايل عليها، فالشعب لفظهم فى الاستحقاقات الانتخابية كافة التى حدثت بعد الثورة، ومع ذلك يحاولون القفز على السلطة بأى ثمن ولو كان العنف والقتل والتدمير هى السبيل. إن محاولة الوصول إلى السلطة عبر طريق مخضب بدماء الأبرياء وآلام الجرحى وهموم وآلام الوطن والمتاجرة بكل ذلك- لهى الخزى بعينه وهى ما لن تقبله الشعوب الأبية والحرة التى ذاقت طعم الحرية بعد سنوات من الظلم والاضطهاد. وعمد هؤلاء إلى محاولة تزوير الحقائق وتزييفها والمزايدة عليها، بل إنكارها فى بعض الأحيان، وكان من ذلك حديثهم عن أن الرئيس المصرى هارب من السجن، ومع اقتناعى بأن هذا حديث لا يستحق الرد عليه، ولكن تناوله الكثير خاصة فى وسائل الإعلام والتركيز على قضية هروب المساجين من سجن وادى النطرون دون غيره من السجون- هما ما دفعانى للكتابة عن ذلك. بكل أسف لم يتساءل البعض: لماذا اعتقل الرئيس أصلا هو ومجموعة من قيادات الإخوان المسلمين؟ هل كان اعتقالهم بسبب جنائى أم سياسى؟ وألم يسمع هؤلاء نداء الرئيس من أمام السجن بأنهم لا يفرون وأنهم يريدون أى مسئول للمثول أمامه؟ ألا يعتبر الاعتقال فى أثناء الثورة وسام شرف على صدر المعتقلين كافة ؟ ألم يكن من الممكن أن يكون أى من هؤلاء شهيدًا أو مصابًا من شهداء ومصابى الثورة؟ ألا يعد القبض عليهم بلا أى سند قانونى اختطافا يعاقب عليه القانون وتأباه كل الدنيا على اختلاف توجهاتها؟ وألا تعبر تلك الحادثة عن مدى فساد وظلم النظام الذى يحاول إعادته من جديد وعدم احترامه القانون والحريات؟ إن محاولة البعض تزوير تلك الحقائق هى العبث بعينه ومحاولة تقليل من شأن مشاركة تيار معين فى الثورة من بدايتها، وهو ما تؤكده الأحداث، فعندما استشعر نظام مبارك خطورة الوضع عليه وعلى بقائه أسرع لاعتقال مجموعة من قيادات الإخوان المسلمين؛ لأنه يدرك أنهم المحرك الأساسى والفاعل المؤثر فى الأحداث. هل لو أن من اعتقل أحد قيادات المعارضة الكرتونية والتليفزيونية هؤلاء كان سيقال عنه مثلما يقال عن قيادات الإخوان؟ أم كان سيقال إن هؤلاء هم القادة الحقيقيون للثورة، وإنهم من تصدوا للظلم والعدوان والفساد والإفساد، وإن هؤلاء هم الرفقاء حاملو لواء الحرية والمقاومة؟ ألم يتمن بعض هؤلاء أن يسجن لمدة شهر واحد ليحكى عن يومياته مع السجون وبطولاته مع السجانين وحياته فى ظلام الزنازين؟ إن اعتقال الشرفاء فى ظل النظم الاستبدادية هو وسام شرف أمام الله أولًا ثم أمام الناس والتاريخ، والشعب كله يعلم ذلك؛ أما محاولة بعض المأفونين تشويه ذلك فهى محاولة يائسة مغرضة فاشلة صادرة عن قلوب وعقول فاشلة سياسيًّا وشعبيًّا وأخلاقيًّا. ومن الأكاذيب والأراجيف التى يحاولون تسويقها، تحميل الرئيس والحرية والعدالة والإخوان مسئولية كل أخطاء وخطايا النظام السابق، بل المطالبة بحلها حلًا جذريًّا خلال عام، فالجرائم كافة التى ارتكبها النظام من فساد وإفساد وإهدار لمقدرات البلاد وإفساد الذمم والأخلاق ونشر قيم وموروثات سلبية فى المجتمع، بخلاف الانهيار الاقتصادى والسياسى وانتهاك الحقوق والحريات- كل ذلك وغيره مطلوب حله خلال تلك الفترة الوجيزة مع إنكار أى تقدم فى أى مجال وعلى أى مستوى والتقليل من شأنه، بل وصل الأمر لاختلاق الأزمات وتصديرها وتعظيمها وتأجيجها لعرقلة مسيرة التقدم والإصلاح. إن محاولة البعض تشويه أى تقدم هى محاولة خبيثة لتيئيس الناس من الثورة ومن التحول الديمقراطى، وبكل أسف أن من يقوم بذلك هم بعض السياسيين الذين تركوا مقعد القيادة لفلول النظام الساقط ليتحكموا فى طريقة أدائهم وما يطرحونه من أفكار مسمومة. ومن أعجب ما قرأت أن البعض يقول إنه سيكون هناك مرشح للثورة فى الفترة المقبلة، فهؤلاء يهذون بكلمات ومفاهيم إذا كانوا يدركون مغزاها فتلك مصيبة، وإن كانوا لا يدركون فالمصيبة أعظم، فهل الرئيس محمد مرسى ليس مرشحا للثورة؟ ومن بيده صك الثورة يعطيه لمن يشاء ويحجبه عمن يشاء؟ وهل سبق لأحد هؤلاء أن عارض النظام السابق وقاوم فساده مثلما فعل الرئيس؟ وهل حرك أحدهم جموع الشعب لرفض الظلم والعدوان مثلما فعل الرئيس وتياره؟! إن محاولة المزايدة على دور الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين فى الثورة هى محاولة دنيئة لا تنطلى على الشعب الواعى والمدرك لحقيقة كل فرد وكل حزب وكل القوى السياسية، فلو أن هؤلاء بذلوا معشار ما بذله الإخوان المسلمون من تضحيات عبر تاريخهم لطالبوا بحكم إفريقيا وأسيا وأوروبا وليس مصر فقط. فأين كان هؤلاء والإخوان يعارضون النظم السابقة ويقاومون فسادها ويعلقون على أعواد المشانق، ويزج بهم فى غياهب السجون والمعتقلات، محتسبين ذلك عند الله ولا يريدون من أحد جزاءً ولا شكورا، وعلى الرغم من كل ما لاقاه الإخوان من ظلم وعنت وتعسف إلا أنهم لم ينفصلوا عن مجتمعهم ومواطنيهم متسابقين فى تقديم الخير للناس، كل الناس. كما أنهم يحاولون تسويق أنهم يتحدثون عن الشعب وبلسان الشعب، ولا أدرى عن أى شعب يتحدثون، فالشعب لفظهم فى خمسة استحقاقات سابقة، وهم مدركون أنه سيلفظهم فيما هو لاحق، ولو أنهم يدركون أن الشارع معهم لتسابقوا لخوض الانتخابات أمس وليس اليوم أو غدًا، ولكنهم يدركون أن رصيدهم فى الفضائيات والمؤتمرات والندوات والتكييفات فقط. إن من يرفض الاحتكام للشعب والنزول على إرادته لهو أهون من أن يتحدث باسم الشعب أو يحقق آماله وطموحاته أو ينال ثقته. إن على هؤلاء الفاشلين شعبيًّا المزورين تاريخيًّا أن يتقوا الله فى مصر وشعبها الكريم، وأن يعلموا أن الشعب أوعى من أن يُخدع بشعارات جوفاء أو كلمات مزيفة أو إعلام مغرض أو أموال محرمة أو تهديدات خائبة أو عنف أهوج أو عمالة مفضوحة. فالشعب أوعى منكم وأوعى من أن يستدرج لأهدافكم الخبيثة التى تحاولون من خلالها إعادة إنتاج النظام السابق وإهدار إرادته، فالشعب قادر على حماية شرعيته واختياراته وإرادته وهو الأبقى والأقوى. حفظ الله مصر وشعبها ورئيسها من كل مكروه وسوء.