"مشروع دستور تونس تضمّن مادة غزيرة من المبادئ التى تنص على الحقوق والحريات وتكرس استقلال القضاء والفصل بين السلطات وتضمن الهوية الإسلامية للشعب ومدنية الدولة".. بهذه الجملة وصف المقرر العام للدستور والقيادى فى حزب النهضة الإسلامية الحبيب خضر مشروع الدستور التونسى الجديد. ورغم أن الدستور -حسب المقرر العام له- كتب "بخط توافقى" بين الأحزاب، وأنّه يتوقع أن يحظى بمصادقة ثلثى أعضاء المجلس الوطنى التأسيسى ليتم تبنيه دون اللجوء إلى تنظيم استفتاء شعبى عليه قد يزيد من تمديد المرحلة الانتقالية، إلا أن المعارضة -أغلبها حركات يسارية- أبدت اعتراضها على المشروع، متهمة هيئة التنسيق والصياغة -وهى لجنة دستورية تشرف على تنسيق أعمال خمس لجان تأسيسية بالمجلس الوطنى التأسيسى- بأنها "خرقت" النظام الداخلى للمجلس التأسيسى وغيّرت محتوى أعمال تلك اللجان. حجة ضعيفة ويبدو أن الحجة التى يسعى لها يساريو تونس لتعطيل المشروع الذى تم تعديله ثلاث مرات حتى يستجيب لمطالب كل الأطياف السياسى، أنها حجة ضعيفة، خاصة أنهم لم يقدموا أى دليل على اعتراضهم، بل تحجج أحدهم -هشام حسنى وهو رئيس حركة الشعب التقدمى اليسارى- أن الدستور الجديد يكرس لدولة دينية دون أن يقدم أى سبب آخر لمقاطعة التصويت على المشروع. وهذا يعيد إلى الأذهان ما حدث مع اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور المصرى التى اعترض عليها المشاركون فى الصياغة نفسها من أجل مكاسب سياسية، وخرجوا من المعركة خاسرين بعد إقرار الدستور بتوافق شعبى. وتعليقا على هذا الانتقاد ورفض التصويت من قبل الحركات اليسارية، اعتبر الحبيب خضر أن هذه المواقف "تكتسى حدّة أكثر من اللزوم"، مشددا على حق هيئة التنسيق والصياغة فى تعديل المضامين طبق القانون ونافيا تفرّده بصياغة الأحكام الانتقالية، التى تمت مناقشتها وفق قوله فى هيئة التنسيق التى تضم 22 نائبا من بينهم نواب المعارضة. حوار وطنى ورغم أن حجة هذه المعارضة -التى تفتقر إلى الشعبية الحقيقية فى الشارع- ضعيفة وغير مقترنة بأى سبب أو دليل على انتقادهم مواد الدستور، إلا أن المجلس التأسيسى "البرلمان" أكد أن المجال سيظل مفتوحا إلى آخر أيام النقاش لإدراج التوافقات التى تنتج عن الحوار الوطنى الذى ينظم برعاية اتحاد الشغل. وتأكيدا لهذه الخطوة، بدأ رئيس المجلس التأسيسى مصطفى بن جعفر سلسلة من اللقاءات مع رؤساء الأحزاب السياسية الممثلة بالمجلس، محورها مشروع الدستور الجديد والنقاط الخلافية المثارة حول مضمونه. واجتمع بن جعفر بكل من الأمين العام لحزب المسار الديمقراطى الاجتماعى أحمد إبراهيم، والأمينة العامة للحزب الجمهورى مية الجريبى؛ للتشاور بشأن سبل تذليل العقبات والوصول إلى توافقات داخل المجلس، بما يضمن أوفر الحظوظ لتنقية الأجواء السياسية، والوصول إلى الاستحقاقات القادمة فى أفضل الظروف. فى حين دعت لجنة متابعة الحوار الوطنى رؤساء الأحزاب التى علقت مشاركتها بسبب بعض المسائل الخلافية، من أجل وضع آليات عملية لمسار المفاوضات خلال المرحلة القادمة. ويحتاج مشروع الدستور ليتم تبنيه إلى أصوات ثلثى أعضاء المجلس التأسيسى -217 نائبا- وسيحل مكان دستور 1959 الذى تم تعليق العمل به بعد الثورة ودخول البلاد فى مرحلة انتقالية تديرها قوانين مؤقتة، وإن لم يحظ بهذه النسبة سيتم تنظيم استفتاء شعبى على مواد الدستور، وهذا من شأنه إطالة المرحلة الانتقالية فى تونس التى تشهد بعض التجاذبات وأعمال العنف.