أفهم أن هناك أسبابا كثيرة تدفع عددا من الصحفيين والإعلاميين للتدليس وخلط الحق بالباطل ونشر الشائعات والأكاذيب على أنها حقائق لا تقبل الشك ووقائع لا تحتمل النفى. وأفهم أن هناك آلة إعلامية واسعة وممتدة تعمل ليلا ونهارا لتشويه القرارات التى تصدر عن الحكومة أو مؤسسة الرئاسة، ويتم وضعها فى سياق بعيد عن الواقع ومجاف للحقيقة. وأدرك أن هناك فريقا معروفا يستفيد من صناعة رأى عام معاد لأى منتج حكومى، سواء خرج على صورة قرار أو خدمة يمكن أن يستفيد منها الناس أو تصب فى صالحهم. إلا أن ما يحتاج إلى فهم وما يستعصى على الإدراك أن الحكومة تقبل هذا التدليس دون أن يكون لديها مَن يقوم بتفنيد مزاعمه أو التعريف بالحقيقة أو من يقوم بشرح طبيعة مواقفها وقراراتها بعيدا عن عمليات التزييف التى يمارسها كثير من المؤسسات الإعلامية. أضرب مثالا باستطلاع رأى جماهيرى بثته إحدى القنوات الفضائية قام به عدد من المذيعين حول الكروت الذكية التى تسعى الحكومة الآن إلى تشغيلها بهدف ضبط أسواق البنزين والسولار. ولاحظت أن الجمهور الذى يدلى بدلوه حول الموضوع يبنى رؤيته على خبر غير صحيح ومعلومة مغلوطة تنافى الحقيقة، مؤداها أن مشروع الكروت يقوم بتخصيص خمسة لترات بنزين لكل مواطن يوميا. وعلى الرغم من عدم صحة هذه المعلومة أو صدقها، إلا أن سياق البرنامج يدور كامل دورته ويستمع إلى ردود فعل الناس الذين يرفضون بطبيعة الحال تخصيص اللترات الخمسة دون أن يؤكد المذيع أن هذه المعلومة غير صحيحة، ولا تعبر عن الواقع بحال من الأحوال. وقد أفهم الأسباب التى دفعت الفضائية أو المذيع لعدم تصحيح الخبر للمواطنين حتى يبنوا رأيهم على خبر صحيح ومعلومة دقيقة، إلا أننى لا أستطيع أن أفهم السبب وراء عدم رد الحكومة على هذه المداخلات فى حينها حرصا على تصويب المعلومات وتدقيق الأخبار! ولا أفهم سببا يمنع الحكومة من المتابعة الدقيقة لكل ما ينشر وما يذاع فى وسائل الإعلام ويحمل تشويها لمنجز، أو تحريفا لخبر، أو تدليسا على حقيقة دون أن تخرج الحكومة برد مباشر فى وقته على هذه القناة أو تلك الصحيفة أو هذا الموقع الإلكترونى لوضع الأمور فى نصابها، وتصحيح وتصويب ما يحتاج إلى تصويب وتصحيح. إننى لا أجد بديلا عن تواصل إعلامى فاعل من الحكومة مع وسائل الإعلام كافة لحظة بلحظة وساعة بساعة؛ أولا للتأكيد على المعلومة الصحيحة من مصدرها الصحيح، وثانيا لوأد أى محاولة للتدليس والتشويه قبل أن تبدأ.