منتهى التدنى وقلة المروءة وانعدام الأخلاق، صفات ظهرت كلها فى موقف المعارضة "العلمانية" تجاه أزمة الجنود المختطفين الذين حرروا مؤخرا؛ حيث اتخذوا من الحادث ذريعة للهجوم على الرئيس والحكومة، وبالغوا فى المزايدات حتى وصلوا إلى "فرية" مؤداها أن ما حدث كله كان بمنزلة "تمثيلية" من صناعة الإخوان المسلمين كانت تهدف إلى التخلص من قيادات عسكرية وتصفية حسابات سياسية. أحدهم قالها بلا مواربة: "إن عملية خطف الجنود وعودتهم عبارة عن فيلم سينمائى من إنتاج جماعة الإخوان، بهدف إقالة الفريق أول عبد الفتاح السيسى وإرباك الجيش المصرى والتوقف عن هدم الأنفاق والإفراج عن بعض المسجونين ممن قتلوا المصريين". قبل الإفراج تحدثوا عن "تفاوض" جرى فى الخفاء لتأمين الخاطفين والاستجابة لمطالبهم مقابل إطلاق سراح الجنود، ونفت الرئاسة والجيش بشكل قطعى كل هذا الكلام، باعتباره كذبا واختلاقا، ومنهم من زايد بالقول: "إن أمن مصر القومى وسيادة وهيبة الدولة تتعرض لتهديدات خطيرة" ترتبط بما أسماه "غياب فاعلية إدارة الرئيس محمد مرسى وحكومته"، وبعضهم ذهب إلى أبعد من ذلك فقال: "إن الإفراج عن ناشطين معروفين فى مجال الإرهاب غير مفهوم"، مؤكدا أن "أسلوب التفاوض مع الإرهاب متساهل"! ولا بأس أيضا فى موجة المزايدات أن يقول أحدهم: "إن السلطة التى لا تستطيع أن تقوم بمهامها، وتحمى الأمن القومى وتعود بالجنود المختطفين مرة أخرى إلى مواقعهم عليها أن ترحل". وقال قائلهم أيضا: "إن الدولة المصرية أصبحت ضعيفة ومتراخية فى ظل حكم الرئيس محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين"، لافتا إلى أن "الأمر تطور إلى أن وصل إلى مرحلة ممارسة الإرهابيين الابتزاز بشكل واضح للجيش". ثم بعد الإفراج بدأت ماكينات الكذب فى الدوران، وانطلق المزايدون من قيادات أحزاب "الخراب" بأقوال شائنة تكشف مكنونات صدورهم المريضة، فمنهم من نفى أن تكون العملية "إضافة إيجابية إلى الرئيس والإخوان، إنما يمكن القول إن ثقة الشعب بالجيش زادت"، وطالب الرئيس بالكشف عن "خطته لإعمار سيناء وإلا سوف يتشكك الشعب فى العملية"، حسب قوله. وبعضهم طرح أسئلة تشكيكية من نوعية: هل خضعت الدولة لشروط الخاطفين؟ ومن هم الخاطفون؟ وهل الدولة ستنتهج بالمستقبل سبيل التفاوض مع المجرمين للإفراج عن أى مختطفين؟ وما مقابل الإفراج؟ ولماذا تخلى الخاطفون عن مطالبهم فجأة؟ وما دور حماس فى العملية؟ بل إن إحدى صحفهم "الصفراء" ادعت أن أحد الخاطفين تحدث لها قائلا: "إن الأجهزة (يقصد أجهزة الدولة) أمنت هروبنا قبل عودة الجنود بساعات". كل ذلك يقال رغم تأكيد الأجهزة الأمنية أن الخاطفين محددون بالاسم، وأن إجراءات القبض عليهم وتقديمهم للعدالة ستتم بالآلية المناسبة وفى الوقت المناسب، وأن الجيش والشرطة يواصلان مهمتهما فى تتبع الخاطفين وتأمين سيناء ككل وتطهيرها من البؤر الإجرامية. هل رأيتم خسة وانعداما للمسئولية الوطنية أعلى من هذا؟ هل رأيتم معارضة تتخذ من المواقف المأساوية بضاعة رخيصة تتاجر بها لتكيل الاتهامات للقيادة السياسية وتحرجها؟ هل رأيتم معارضة تتخلى عن مسئوليتها الوطنية فى إسناد السلطة بالرأى والفكر والمشورة تجاه حادث كهذا، ويتهرب قادتها من لقاء الرئيس على أمل أن تفشل عملية إنقاذ الجنود "فيشربها" الرئيس وحده (على حد قول أحدهم)؟ إنها حقارة الطبع وسوء الطوية وانحطاط التفكير، فإظهار الكراهية بهذه الصورة، وإلى حد تمنى فشل رئيس الدولة فى حماية أرواح أبنائه ومنع إراقة دمائهم يدل على أن هؤلاء الشانئين فقدوا صوابهم وعقولهم، بقدر ما فقدوا من رصيدهم المتدنى أصلا فى الشارع المصرى، وربما كان منهم من تمنى فى قرارة نفسه أن يذبح الجنود من الوريد إلى الوريد لمجرد إحراج الرئيس مرسى والخصم من رصيد شعبيته. لقد خسرت المعارضة العلمانية كثيرا بموقفها المخزى من أزمة الجنود المختطفين، وسوف تخسر أكثر عندما يعلن القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة؛ لكن هذه المعارضة، بما تتسم به من "قلة الحياء" لن تعترف بخطئها ولن تعتذر للرئيس أو الجيش والأمن عن كم المغالطات والمزايدات التى صدرتها للرأى العام، وهذا يحتم ضرورة محاسبتها على جرائم التحريض والكذب والتضليل الذى مارسته فى هذه الأزمة غير عابئة بخطورة ما تفعل على الأمن القومى المصرى، بغض النظر عن المكايدات السياسية.