· الصكوك الإسلامية تعزّز قدرة الاقتصاد على تجاوز كبوته · الوضع الاقتصادى صعب.. وكفاية مظاهرات · محور إقليم قناة السويس ركيزة أساسية للنهوض بالاقتصاد القومى · لدينا 50 حزبا يمكن اختصارها فى 4 أحزاب كبرى · تاريخ الإخوان المسلمين مشرّف ودورهم الوطنى معروف قبل الثورة وبعدها · الجماعة موجودة بين الناس.. وهذا من عناصر قوتها · ثلاثى جبهة الإنقاذ "البرادعى وموسى وصباحى" لم يقدموا شيئا للبلد · مظاهرات "جبهة الإنقاذ" أوقفت الإنتاج وأغلقت 4000 مصنع وشردت العاملين بها · "الفقراء" الذين يأخذون "السكر والزيت" ليس مطلوبا منهم بالضرورة التصويت للإخوان تولى الدكتور عبد العزيز حجازى -رئيس وزراء مصر الأسبق- رئاسة وزراء مصر فى مرحلة عصيبة من تاريخها بعد حرب أكتوبر، وكانت حكومته مطالبة بتوفير جميع الإمكانات للقوات المسلحة، والحفاظ على التكافل الاجتماعى، وعلى مجانية التعليم وتوفير الدعم وفرص العمل، إضافة إلى تحقيق الشفافية الكاملة لكل ما يتعلق بأداء الحكومة، ونجح "حجازى" ووزارته فى تحقيق أهدافها فى ظرف سياسى واجتماعى واقتصادى عصيب. "الحرية والعدالة" أجرت حوارا مع الدكتور حجازى، تطرق فيه إلى الوضع الاقتصادى فى مصر، وسبل النهوض به، ومخاطر الانفلات الأمنى والاعتصامات، وتأثيرها على عملية الإنتاج ومستوى معيشة المواطن، كما تناول "حجازى" أوضاع مصر وقتَ حرب أكتوبر، وهى الظروف الشبيهة بما يحدث الآن، وكيف تم التغلب عليها، فضلا عن دور جماعة الإخوان المسلمين فى العمل الوطنى قبل الثورة وبعدها، وتوصيفه أداء جبهة الإنقاذ. مزيد من التفاصيل فى سياق الحوار التالى.. · ما تقييمكم للوضع الاقتصادى فى مصر؟ الوضع الاقتصادى كلمة تشمل معادلة ذات محاور عدة، وهى معادلة تحقق التوازن، ولها خمسة عناصر، تبدأ بالإنتاج والاستهلاك "العائلى والحكومى"، والاستثمار والصادرات والواردات، هذه هى عناصر المعادلة المتشابكة، ونبدأ بالاستهلاك الذى يقاس دائما بزيادة النمو السكانى، فمهما وضعت خطط التقشف الواقع يؤكد أن الزيادة السكانية دائما تصاحبها زيادة فى الاستهلاك، يعادل ذلك على الناحية الأخرى حجم الإنتاج، الذى هو أول مطلب لحل مشكلة الاقتصاد المصرى؛ فلا زيادة فى الدخول، ولا ارتفاع لمستوى المعيشة دونه- ومهما حصلنا على دعم غالبا ما ينشأ عنه مديونيات إضافية. وتعظيم الإنتاج لن يحدث إلا باستغلال استخدام الطاقات المعطلة فى الاقتصاد المصرى، فهناك حديث عن مصانع أغلقت بعد الثورة بحوالى 4000 مصنع، ومطلوب فورا حصر الطاقات العاطلة، وتوجيهها لزيادة الإنتاج، وتوفير العملة الصعبة التى تساعد الاقتصاد على التعافى ليرتفع مستوى المعيشة. · وما روافد دعم الاقتصاد من وجهة نظركم؟ المشروعات العملاقة مثل محور تنمية إقليم قناة السويس، ومشروع توشكى، والعوينات، وشرق التفريعة. هذه مشاريع مهمة يجب إعادة دراستها بعناية لبيان الجدوى الاقتصادية منها، وبعد ذلك يتم التركيز على المشروع الأكثر عائدا لمصر، سواء من ناحية الإنتاج أو التسويق، ولا تترك هذه المشاريع للأفراد فقط بل يجب إشراف الدولة الكامل عليها، فمثلا مشروع محور قناة السويس ينبغى أن تحدد الأنشطة داخل هذا المرفق، ويكون أول مشروع إقامة منطقة مخازن عملاقة –كما فى سنغافورة وهونج كونج- كنقطة انطلاق تستخدمها الشركات العملاقة لأسواقها فى كل دول العالم، ونظرا لموقع مصر المتميز بين قارات العالم فهى منطقة التقاء للنشاط الاقتصادى الصناعى والتجارى، إلى جانب عمليات إصلاح وصيانة السفن وتقديم الخدمات كافة للملاحة داخل القناة. · وماذا عن الإنتاج ودوره الرئيس فى دعم الاقتصاد المصرى؟ الإنتاج أهم عنصر من عناصر الأزمة الحالية، وأنا أرجّح أن المشروعات ذات العائد الاقتصادى لا بد أن تكون لها الأولوية، وكذلك المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تهتم بتشغيل الطاقات العاطلة فى الصناعة، وأظن أن هذه الفترة الحرجة التى تمر بها البلاد فترة انتقالية دائما تعقب الثورات، ولا بد فورا من ترشيد الاستيراد، خاصة السلع الترفيهية والكمالية، ولا بد أن تكون هناك قبضة حديدية من وزير المالية ليستطيع التحكم فى الموازنة النقدية لتحسين استخدام العملة الصعبة. · ما تقييمك لأداء الرئيس مرسى وزياراته الخارجية لدعم الاقتصاد المصرى؟ الرئيس قام بجولات خارجية عدة ومهمة من أجل التسويق، وجذب استثمارات جديدة، وهذا شىء إيجابى؛ لأنه دون استثمارات لن يحدث أى تقدم اقتصادى، خاصة أن معدل الادخار فى مصر وصل إلى 16% فقط، ومن المفترض أن يكون 30% على الأقل، ولكن نظرا لانخفاض مستوى الأجور، ومن ثم انخفاض مستوى المعيشة، تتجه الأنظار إلى كبار المستثمرين فى رفع نسبة الادخار بالبنوك بما لديهم من فائض، هذا بالإضافة إلى التعامل مع قضايا رجال الأعمال والمستثمرين والاستفادة من أموالهم التى حصلوا عليها من الدولة بطرق غير مشروعة. · إذن.. تؤيد فكرة "التصالح مع رجال الأعمال"! نعم أؤيدها وأشجعها بقوة فيما لا يخص قضايا الدم، فحالات الانحراف كالرشوة والتربح من المال العام وسوء استخدام موارد الدولة كتحويل الأراضى من زراعية إلى منتجعات عمرانية وسياحية، هذه جميعا يجب أن نتعامل معها بقوانين التصالح كما هو متبع مع مصالح "الضرائب والجمارك والمرور وغيرها" بدلا من ضياع كل هذه الأموال على الدولة؛ بسبب مهرجان "براءات عدم كفاية الأدلة". · وماذا عن التعاون مع دولة قطر؟ فالبعض قال إنه "تسول" وآخرون قالوا "بيع قناة السويس"! هذا "هُراء".. مصر لا تتسول ولا "تشحت" من هذه الدول، وإنما هى استثمارات وعلاقات دولية مشتركة قائمة على الاستثمار.. وأذكر أننى فعلت الشىء نفسه عندما كنت مسئولا بداية السبعينيات من القرن الماضى، حيث زرت دول الخليج وأتيت بمليار دولار، وأنشأت شركات استثمار "قطاع خاص" مشتركة بين مصر ودول الخليج، خاصة قطر والسعودية والكويت، وكان الهدف من جلب هذه الشركات تقوية القطاع الخاص؛ ليكون بديلا للحكومة، لأنه ليس من الحكمة أن تتحمل الحكومة كل شىء، ومن ثم لا بد من العمل على جذب أموال القطاع الخاص فى الداخل والخارج. · كيف ترى الصكوك الإسلامية ودورها فى دعم الاقتصاد المصرى؟ الصكوك الإسلامية مهمة لدعم الاقتصاد، ولقد أنتج أول صك إسلامى فى مصر منتصف السبعينيات، ولم تحدث مثل هذه الضجة المثارة الآن حول الموضوع! وقمنا ومعى بعض رجال الأعمال بجولة فى دول الخليج، وجمعنا 350 مليون جنيه، والصك عقد شرعى متعدد الاستخدامات فى شتى مناحى الحياة، مثل المشروعات الزراعية والصناعية والتجارية، وأنا أؤيدها لدعم الاقتصاد المصرى. · وماذا عن الضجة التى أثيرت حول بيع أصول الدولة والأهرامات وقناة السويس عن طريق الصكوك؟ هذا كله "كلام فارغ" ومغالطات كاذبة ليس لها أى أساس من الصحة، و"شو" إعلامى؛ لأنه غير وارد أصلا فى أذهان المسئولين، ولا يجوز قانونا بيع أصول الدولة أو رهنها مقابل الصكوك، وما تردده وسائل الإعلام المضللة حول بيع الأهرامات أو قناة السويس إلى قطر كلام عار تماما عن الصحة، ويهدف إلى التشويش والتضليل على الرأى العام؛ لأن هذه الأصول ملكية عامة. · ولماذا رفض الأزهر الشريف مشروع الصكوك فى البداية؟ ربما رأى بعض علمائه أن مواد القانون يمكن أن تتعارض مع الشريعة الإسلامية فى طريقة التناول والتنفيذ على أرض الواقع. · البعض تحدث عن احتمالات إفلاس مصر.. كيف ترى هذا؟ التجربة تؤكد أن هذا غير وارد إطلاقا، وبعيد كل البعد عن الواقع؛ لأن الإفلاس يحدث عندما تتوقف الدول عن سداد الأقساط المستحقة عليها، وهذا لم يحدث إطلاقا فى تاريخ مصر القديم والحديث -باستثناء عهد الخديو إسماعيل– ولكن الآن الوضع مختلف تماما وغير وارد مطلقا ما يشاع عن إفلاس مصر. · ما مدى تأثير الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات على الاقتصاد المصرى؟ حتما تؤثر بالسلب على الاقتصاد؛ لأنها تعمل على توقف الإنتاج، وبعيدا عن ذلك فالأخطر أنها تؤثر سلبا على الاستثمارات الوافدة؛ لأن رأس المال "جبان"، ومن ثم لا يمكن لأى مستثمر أن يجازف ويأتى بمدخراته ليستثمرها فى مناطق غير آمنة والأوضاع فيها غير مستقرة "إضرابات – اعتصامات – بلطجة"، دون أى داع أو سبب مقنع، فإذا ما توقفت أعمال الشغب هذه فسوف ترى تدفق رءوس الأموال العربية والأجنبية للاستثمار فى مصر. · وما المنهج الاقتصادى المناسب لمصر من وجهة نظركم؟ فى كل الأحوال لا بد أن يعتمد أى اقتصاد على الملكية الخاصة والعامة لمنع الاحتكار وتعظيم المنافسة وحماية المستهلك، وهنا نحصل من الرأسمالية على ما ينفع الاقتصاد القومى، ويحقق العدالة الاجتماعية،التى يطلقون عليها فى الخارج "اقتصاد السوق الاجتماعى"، وهو الذى يجمع بين عناصر الرأسمالية المنضبطة والعدالة الاجتماعية وعلى رأسها الزكاة. · حدثنا عن تجربتكم فى موقع المسئولية لدعم الاقتصاد المصرى؟ عندما كنت وزيرا للمالية سنة 1968 بعد النكسة مباشرة، وجدت انهيارا فى معظم مؤسسات الدولة، ووقعت خسائر تجاوزت 10 مليارات جنيه، بالإضافة إلى فقدان نحو 90% من منشآت القوات المسلحة، والحمد لله استطعنا العبور بالبلاد دون أن نحمّل الدولة أى ديون، ولم أفرض على الشعب أى أعباء جديدة، ولم نفلس، وعبرنا المرحلة دون أزمات،حيث نقلت مصر من عهد اشتراكى تسيطر عليه الحكومة والبيروقراطية إلى سياسة الانفتاح وليس "السداح مداح" كما حدث بعد ذلك فى إبريل 1975. · "حكم النازى ولا حكم حجازى".. عبارة ترددت إبّان فترة رئاستك للوزراء.. هل تعدها مدحا أم ذما؟ أنا أعدها مدحا؛ لسبب بسيط أنها تعبر عن شدة الرقابة، حيث كانت هذه الفترة العصيبة من تاريخ مصر تحتاج إلى ذلك، لأنى وضعت نظما ولوائح صارمة لإدارة شئون البلاد، منها على سبيل المثال: أنه يتعين على كل وزير أن يأتينى برصيد وزارته يوم السبت من كل أسبوع للاطلاع أولا بأول على الميزانية العامة للدولة. · البعض يصف الوضع السياسى الحالى ب"المأزق"..كيف لمصر الخروج منه؟ للخروج الآمن من هذه الأزمة أطالب وبشدة بأن تكون هناك هدنة من القوى السياسية لوقف المظاهرات والاعتصامات حتى نهاية العام، ومن له مطالب فعليه التقدم بها إلى الجهات المختصة، وذلك حتى تدور عجلة الإنتاج وينتعش الاقتصاد، خاصة أن عدد الأحزاب السياسية قد فاق ال50 حزبا، وكل حزب لديه منهج وفكر خاص به، والمطلوب من الشعب الذى من بين أفراده أكثر من 45% يتصفون بالأمية السياسية أن يستوعب كل هذه الأفكار والمناهج والتوجهات، فمن الأفضل أن تتوحد الأحزاب وتتكامل، وأن تنظم صفوفها وتتوحد فى ثلاثة أو خمسة أحزاب رئيسة على الأكثر، تتناول إدارة البلاد حتى يستطيع الشعب استيعاب هذه المناهج بفكر وخطوات محددة. · هل ترى سببا حقيقيا للغطاء السياسى الذى تمنحه جبهة "الإنقاذ" لهذه الاعتصامات وما يصاحبها من عنف؟ للأسف الشديد! ليس للجبهة أى علة إطلاقا لتوفير هذا الغطاء السياسى، الذى يضر بالاقتصاد المصرى فى المقام الأول، لذلك وجب عليهم وقف هذه الاعتصامات فورا وبدء الإنتاج، وإذا كانت لهم مطالب شرعية فليقدموها فورا للجهات المختصة بحلها، لأن هناك نظاما للتفاوض؛ أما ما يحدث الآن فهو "بلطجة" بكل المعانى، ولا أؤيد جبهة الإنقاذ فيما تفعل. وأتساءل: ماذا قدمت جبهة الإنقاذ للشعب؟ لا أرى غير مجموعة من الشعارات الجوفاء.. وإلا فليقولوا لنا: أين المشاريع التى أنجزوها؟ هل نفذوا مثلا مشاريع خدمية مثل "محو الأمية - أو مكافحة الفقر - أو جمعوا أموالا من أجل إصلاح شأن العشوائيات"، والثلاثة الكبار "البرادعى وموسى وصباحى".. ماذا قدموا بما لهم من علاقات خارجية واتصالات بدول العالم؟ هل أتى أحد منهم فرادى أو مجتمعين بأى استثمارات أجنبية أو مشاريع تنعش الاقتصاد، أو توفر فرص عمل لتشغيل الشباب؟ هل وفروا رءوس أموال لتنفيذ مشروعات صغيرة ومتوسطة للشباب؟ وماذا قدموا غير مظاهرات أوقفت الإنتاج وتسببت فى إغلاق أكثر من 4000 مصنع وتشريد أسر العاملين بها ثم يلقون باللوم على الإخوان. هم يعيبون على الإخوان اندماجهم مع أفراد الشعب وبين طبقاته المختلفة، وأن الإخوان يعطون الفقراء "سكر وزيت"، ويشاركونهم فرحهم وحزنهم، ويدعون أن هذه الأعمال من الإخوان لا تزيد على كونها رشوة انتخابية، وأنا أقول لهم: سموها رشوة أو سموها ما تشاءون، ولكن افعلوا مثلهم وقلّدوهم فى أفعال الخير؛ لأن المستفيد فى النهاية هو المواطن البسيط الفقير من شعب مصر. يا مَن تهتفون بالشعارات الجوفاء من أجل الفقراء "ها هم الفقراء أمامكم فانزلوا من أبراجكم إليهم"، كما يفعل الإخوان الذين أراهم أول أناس ينزلون فى الشدائد والمصائب "أراهم بين الناس مشاركين فى القرى والنجوع"، فهل يمكن تسمية هذا العطاء بلا مقابل رشوة؟ الفقراء الذين يأخذون السكر والزيت ليس مطلوبا منهم بالضرورة أن يعطوا أصواتهم للإخوان، فهم يعطون أصواتهم لمن يريدون على حسب توجهاتهم، وإحقاقا للحق هذا التعايش من الإخوان ليس حديث عهد بهم، فالكل يعرفهم قبل الثورة وقبل الانتخابات، وتاريخهم يشهد بذلك. إذن مطلوب من جبهة الإنقاذ أن تحذو حذو الإخوان، وتنتقل إلى الفقراء فى العشوائيات والقرى والنجوع ليتنافسوا فى العمل ويتركوا الحكم للشعب.