تابعت –كما تابع الكثيرون– زيارة وفد العلماء مع إمام الأمة وفقيه العصر د. يوسف القرضاوى لقطاع غزة، التى كانت آخر زيارة له إليها عام 1958م، وشاء الله أن يزورها اليوم بعد مضى ما يقرب من نصف قرن، بفضل الله تعالى، ثم بفضل الثورة المصرية كما قال هو، فلولا الثورة ما دخل القرضاوى ولا غيره غزة؛ ذلك القطاع الذى كان محاصرا من المخلوع أكثر من حصار الصهاينة، وكان يمنع عنهم كل شىء، ويغلق فى وجوههم كل الأبواب، ومن يتسلل منهم إلى مصر أو يصل لها للعلاج أو نحوه ذاق أشد العذاب على أيدى زبانية المخلوع! لا شك أن هذه الزيارة هى زيارة تاريخية تستحق ما قوبلت به من حفاوة وتقدير وتكريم، فالقرضاوى هو شيخ القضية الفلسطينية التى كثيرا ما تحدث عنها، وكثيرا ما كتب لها وأفتى عنها، وكثيرا ما أقام لها المهرجانات والفعاليات، ولا تزال فتاواه تقض مضاجع اللوبى الصهيونى فى العالم الغربى جميعا حتى منع من دخول كثير من هذه الدول، وها هو اليوم بين أبنائه وأحبابه الذين طالما دعمهم بكل ما يملك من علم وخطابة وكتابة وقيادة وفتاوى قوية وعمل دءوب وجهاد متواصل. وفور سقوط المخلوع حسنى مبارك فُتحت المعابر، وفتحت الأبواب للقوافل ووفود العلماء من كل التيارات، ولا غرو، فقد كان النظام المخلوع يمثل أقصى درجات القهر والكبت والحصار بما لم يقم به الصهاينة أنفسهم. والقضية الفلسطينية هى محور الصراع فى العالم العربى والإسلامى، وبها يحيا المسلمون، وحولها تتحلق جهودهم ويتوافد دعمهم، وإليها ترنو الأبصار والآمال؛ رعاية لمقدسات المسلمين، وحفظا لأعراضهم، ورغبة فى دحض عدو غاشم محتل، وترقبا لتحقيق موعود الله ورسوله، الذى رواه الإمام مسلم بسنده عن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودى من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودى خلفى فتعال فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود". لكن الذى أريد قوله فى هذا المقام هو تساؤلى المر الذى تخالط مرارتُه قلبى وقلبَ المخلصين المهمومين بأمور أمتهم فى المشارق والمغارب: أين علماؤنا ودعاتنا من القضية السورية، التى تفقد كل يوم 90 أو 100 أو 120 شهيدا، نعم يوميا تطالعنا الأخبار بعشرات الضحايا الذين يرتقون جراء الصلف الأسدى العلوى المجرم، الذى لا يخشى خالقا ولا يرحم مخلوقا؟ ألا تستحق سوريا زيارة من العلماء والدعاة لتوجيه المجاهدين وضبط حركتهم، ووقايتهم من العنف والتطرف، وتنويرهم بما هو واجب عليهم، وتبصيرهم بطبيعة المرحلة والواقع، وكيفية احتضان المستقبل والتدبير له من الآن بما يضمن سلامة سوريا من التشقق والنزاع والتمزق والصراع؟ أين علماؤنا من قضية بورما "ميانمار" وما يلاقونه هناك من تعسف ومن قتل واضطهاد وتمييز؟ ألا تستحق بورما زيارة للدعاة والعلماء يُشعرون بها مسلمى ميانمار أن هناك من المسلمين من يهتم بهم، ويسعى لهم، ويحمل قضيتهم، ويدافع عنهم؟ أين علماؤنا من قضية بنجلاديش وما يجرى فيها من إعدامات وأحكام قاسية لرموز الدعوة الإسلامية هناك؛ حيث خرجت الملايين فى الشوارع ضد هذا الحكم الجبرى، فما كان من السلطة الغاشمة هناك إلا أن قتلت منهم (2500) فردا.. ألا تستحق قضيتهم الاهتمام بها، والسفر إليها، والتباحث بشأنها؟. وأين قضايا البلاد الإفريقية، وبلاد أخرى، وأين، وأين و.... إننى أؤيد بشدة دعم القضية الفلسطينية، وهى فى ضميرنا جميعا؛ لأنها ليست مجرد وطن، وإنما هى عقيدة فى قلب كل مسلم. لكننى أتحفظ بشدة أيضا على إهمال القضايا الأخرى وكأنها غير موجودة، حتى إن النساء غير السوريات -بخاصة المصريات- تحركن لسوريا لنجدتهم ونصرتهم فى الوقت الذى تأخر فيه الرجال وتراجع فيه العلماء!. إننى أدعو مشايخنا ودعاتنا أن يهتموا بقضايا الأمة الأخرى كما يهتمون بقضية فلسطين، فهذه نفوس بشرية وتلك نفوس، والله لم يقدس الأماكن، وإن كان فضل بعضها، وإنما قدس النفوس وقيمتها، والأرواح وحرمتها، والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه، كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم.