هذه رسالة أتوجه بها إلى نفسى وإلى إخوانى المسلمين.. وسبب كتابتها أننى وجدت من نفسى أحوالًا مقلقة، فتارة أجدها فرحة متلهفة للقيام بأعمال بعينها، وتارة أجدها زاهدة فى أعمال أخرى قد تكون أنفع لها مما تتلهف عليه، فاحترت فى أمرها، وهرعت إلى القرآن أبحث فيه عن حل لهذه المشكلة، فوجدته –كعادته- لا يترك مشكلة تربوية إلا ويحسن تشخيصها، ويصف الدواء الناجح لها.. وجدت القرآن يقرر ويكرر بأن المستفيد الأول من قيامى بأداء عمل (ما) هو (أنا) وليس غيرى، كما أن الخاسر الأكبر من عدم قيامى به هو (أنا) كذلك.. ذكَّرنى القرآن بأن الله سبحانه وتعالى غنى عنى وعن كل عباداتى وأعمالى الصالحة، وأنه -جل شأنه- لا تنفعه طاعتى ولا تضره معصيتى. ومما أثار انتباهى حقيقة عظيمة يقررها القرآن فى عدة مواضع وهى أنه ليس بين الله -عز وجل- وبين أحد من عباده نسب إلا بطاعته وتقواه، فأولياؤه هم المتقون، ومِن ثَمَّ فالكرامة على قدر الاستقامة، واستمرار الكرامة باستمرار الاستقامة.. وواصلت قراءتى للقرآن فازداد -بفضل الله- انتباهى للآيات التى تؤكد هذه الحقائق، مما ألهب مشاعرى واستثار خواطرى، فعزمت -بعون الله- على صياغة تلك الخواطر على هيئة رسالة أخاطب بها نفسى، وجعلتها بعنوان: "صلاحك لمصلحتك". انتبهى يا نفس، وأفيقى من غفلتك، واجتهدى فى تدارك ما فاتك، فأنت من تصنعين مآلك، وتخطين بيدك طريق سعادتك وشقائك.. .. أنت -لا غيرك- المستفيدة من صلاحك، وأنت كذلك الخاسرة من ضلالك.. .. جهادى لمصلحتك.. عباداتى لمصلحتك.. إنفاقى لمصلحتك.. إن تكاسلت وتأخرت عن ركب السائرين فى طاعة الله فلا تلومى إلا نفسك.. عندما تجدين إخوانك وأقرانك يتجاوزونك. وفى المقابل: اعلمى أنك إن اجتهدت وجاهدت وبذلت فلا تَمُنِّى على الله ولا على أحد بذلك.. أتدرين لماذا؟ لأن صلاحك لمصلحتك أنت. لن تتوقف الشمس عن الحركة انتظارًا لمجيئك اعلمى أيتها النفس أنه لن ينتظرنى أحد إن كثرت أعذارى، وطال ترددى، سيتعاقب الليل والنهار كما تعاقبا من قبل، ولكنى حينها سأكتشف أننى قد خسرت كثيرًا، وظلمتك أيما ظلم حين حرمتك من خير عميم كان من السهل تحصيله -بعون الله-. فيا نفسى الأمارة بالسوء: سأستعيذ بالله من شرك، وسأعمل على تذكيرك بما يشعرك دومًا بالخوف من عواقب أمانيك الباطلة، وسأواجهك دومًا {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7].. سأذكرك عندما تريدين التباهى بإنفاق المال فى سبيل الله بقوله تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 272]. وسأواجهك عندما تبخلين بقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِى وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]. وعندما أشعر بإلحاحك علىَّ فى ظلم أحد من الناس أو المكر به فسأخوفك بما قرره القرآن: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43]. وسأذكرك بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: 23]. الانتشاء والزهو بالطاعة بعون الله سأراقبك بعد القيام بالطاعات، فإن أصابك شىء من الزهو والانتشاء، وبدأت فى عقد المقارنات بينك وبين الآخرين "المقصرين" فسأكون -بتوفيق الله- حازمًا معك، وسأذكرك بقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [الجاثية: 15]، وقوله: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} [فاطر: 18]. وإن وجدتك تمُنِّين على الله عز وجل بالعمل والجهاد فى سبيله فسأقرأ عليك: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِى عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6]. وإن رأيتك تستكثرين جهدك وكدك فى البحث عن حقيقة من حقائق الإيمان فسأذكرك بقوله تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الإسراء: 15].. وإن رأيتك تتكاسلين عن قراءة القرآن وتدبره فسيكون ردى عليك حاسمًا {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِى فَعَلَيْهَا} [الأنعام: 104]. وعند ورود النعم سأجتهد فى تذكيرك بضرورة شكر الله عليها، وأننى المستفيد من هذا الشكر، والخاسر من تركه {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِى كَرِيمٌ} [النمل: 40]. قبل الوقوع فى الذنب عندما أشعر بمحاولاتك للإيقاع بى فى الذنب فسأجتهد -بعون الله- بتذكيرك بمدى الخسارة التى ستلحق بى من جراء ذلك {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} [النساء: 111]، {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِى} [سبأ: 50]. وسأذكرك دومًا بقول الله عز وجل على لسان نبيه موسى عليه السلام عندما وجد طغيان بنى إسرائيل وانحرافهم عن طريق العبودية لله :{إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِى حَمِيدٌ} [إبراهيم: 8]. وسأواجهك بقوله تعالى: {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران: 144]. أقول لك هذا كله وأنا على يقين بأننى لن أستطيع أن أفعل شيئًا من ذلك إلا بعون الله وتوفيقه، فأعنّى يا رب. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.