ترامب يعلق على انتهاك مزعوم لمجال إستونيا الجوى من قبل مقاتلات روسية    ترامب: هجوم 7 أكتوبر كان "إبادة جماعية على أعلى مستوى"    ترامب يعلن إجراء محادثات مع أفغانستان لاستعادة السيطرة على قاعدة باجرام الجوية    البرتغال تعلن اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين يوم الأحد    الدفاع المدني بغزة: 450 ألف فلسطيني نزحوا من مدينة غزة    عبد الحفيظ: جلستي مع الخطيب استمرت ساعتين.. ولا يوجد قرار رسمي    رسميًا.. تامر مصطفى مديرًا فنيًا للاتحاد السكندري    بيتيس يفوز على ريال سوسيداد بثلاثية في الدوري الإسباني    كارول سماحة عن انتقادات إحيائها حفلات بعد وفاة زوجها: كل شخص يعيش حزنه بطريقته    محافظ الأقصر يسلم شهادات لسيدات الدفعة الثالثة من برنامج "المرأة تقود".. صور    انطلاقة قوية ومنظمة وعام دراسي جديد منضبط بمدارس الفيوم 2026    من دمغها إلى صهرها، اعترافات المتهمين الثالث والرابع في قضية "إسورة المتحف المصري"    للمرة الثانية خلال 12 ساعة، توغل إسرائيلي في 3 قرى بريف درعا السورية    هبوط كبير ب320 للجنيه دفعة واحدة.. أسعار الذهب اليوم السبت بالصاغة وعيار 21 الآن بالمصنعية    70 مليون شاب وفتاة يشاركون في برامج التمكين الشبابية خلال الفترة من 2018 حتى 2025    مجلس حكماء المسلمين يدشن النسخة الكازاخية من "مقوِّمات الإسلام" للإمام الطيب (ًصور)    للمرة الثانية على التوالي.. مصطفى عسل يُتوج ببطولة CIB المفتوحة للإسكواش 2025|صور    الدوري المصري - موعد مباراة الأهلي أمام حرس الحدود والقنوات الناقلة    «اللي الجماهير قالبه عليه».. رضا عبدالعال يتغزل في أداء نجم الأهلي    مدرب دجلة: لا نعترف بالنتائج اللحظية.. وسنبذل مجهودا مضاعفا    درجات الحرارة تتهاوى، الأرصاد تعلن حالة الطقس اليوم السبت    ترامب يعلن إتمام صفقة تيك توك مع الصين رغم الجدل داخل واشنطن    وسط تعليمات مشددة، انطلاق الدراسة بالمعاهد الأزهرية، اليوم    صراخ وذهول أشبه بالجنون، جنازة شعبية مهيبة لضحايا مذبحة نبروه بالدقهلية (صور)    كان بيسلك الخرطوم.. مصرع شاب غرقا داخل إحدى المجاري المائية في الغربية    عرض المتهم بقتل لاعبة الجودو بالإسكندرية على مستشفى الأمراض النفسية    مدارس دمياط في أبهى صورها.. استعدادات شاملة لاستقبال العام الدراسي الجديد    ليلة كاملة العدد في حب منير مراد ب دار الأوبرا المصرية (صور وتفاصيل)    كارول سماحة: «الحياة ومصر لم تعد عادية بعد وفاة زوجي» (فيديو)    صلاح دندش يكتب : تخاريف    استشارية اجتماعية: الرجل بفطرته الفسيولوجية يميل إلى التعدد    القرنفل مضاد طبيعي للالتهابات ومسكن للآلام    ديتوكس كامل للجسم، 6 طرق للتخلص من السموم    هل تهدد حرارة البخار والسونا خصوبة الرجال؟    محيي الدين: مراجعة رأس المال المدفوع للبنك الدولي تحتاج توافقاً سياسياً قبل الاقتصادي    محمود محيي الدين: الذهب يتفوق على الدولار فى احتياطات البنوك المركزية لأول مرة    استراتيجية مصر للذكاء الاصطناعي.. نحو الريادة الرقمية    محافظة كفر الشيخ: اعتماد أحوزة عمرانية جديدة ومشروعات الهوية البصرية    إصابة بن شرقى وانفعال على ماهر وتعطيل الفار.. كواليس لقاء الأهلى وسيراميكا (فيديو)    ضبط 6240 عبوة مواد غذائية ونصف طن زيوت سيارات مجهولة المصدر    رسميا الآن بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    تراجع كبير في سعر طن الحديد وارتفاع الأسمنت اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    عمرو أديب يبكي الطفل الفلسطيني النازح وأخته: «ابعتوا هاتوهم مصر»    إعلامي يشعل النار في لسانه على الهواء ليكشف زيف خرافة "البشعة"    حسام حبيب:"معرفش حاجة عن شيرين ومليش علاقة بقضية المخدرات"    طارق فهمي: المجتمع الإسرائيلي يراقب التطورات المصرية بقلق (فيديو)    موعد صلاة الفجر ليوم السبت.. ومن صالح الدعاء بعد ختم الصلاة    لماذا عاقبت الجنح "مروة بنت مبارك" المزعومة في قضية سب وفاء عامر؟ |حيثيات    مقاتلات روسية تقترب من منصة نفط بولندية    الرئيس السوري: التوصل إلى اتفاق أمني مع إسرائيل لا مفر منه    مدينة تعلن الاستنفار ضد «الأميبا آكلة الدماغ».. أعراض وأسباب مرض مميت يصيب ضحاياه من المياه العذبة    «أقوى من كورونا».. استشاري مناعة يوجه تحذيرا عاجلا للمواطنين مع بداية العام الدراسي (فيديو)    خصم 50% على دورات اللغات لطلاب الثانوية في الوادي الجديد    رئيس جامعة الأزهر: الدعاء ليس مجرد طلب أو رجاء بل هو جوهر العبادة وروحها    هل رفع الصوت بالقراءة في الصلاة لتنبيه شخص آخر يبطلها؟.. أمين الفتوى يجيب    "أطباء الجيزة" تكرم استشاري تخدير باحتفالية "يوم الطبيب 2025"    الداخلية تضبط عنصرًا جنائيًا بالمنوفية غسل 12 مليون جنيه من نشاط الهجرة غير الشرعية    "نور بين الجمعتين" كيف تستثمر يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف والأدعية المباركة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شحاتة محروس يكتب: سُنَنُ النماء.. الاختلاف والتدافع والابتلاء

إن الله تعالى شاء أن يجعل الناس مختلفين، ولو شاء لخلقهم على شكل ونسق واحد، وفَهْم وفكر واحد، وقدرات واستعدادات واحدة، وعواطف ومشاعر واحدة، بل عقيدة وإيمان واحد، فيكونون نسخا مكررة لا اختلاف فيها ولا تباين بينهم، ولا أهواء متحكمة، ولا مصالح متعارضة، فيكونون مثل مجتمع الملائكة، مجبولين على الطاعة، لكنه سبحانه علم أن ذلك التوافق بين البشر لا يتسق مع طبيعة الحياة على الأرض، ولا يتفق مع طبيعة هذا المخلوق البشرى الذى استخلفه فى الأرض، ومن ثم لن يكون التشابه متسقا مع مصلحة الكون ولا عمارة الأرض.
وقد شاء الله تعالى أيضا أن يكون هذا المخلوق البشرى مفكرا؛ وذلك حتى يتمكن من استثمار كنوز الأرض واستكشاف سُنَن الله فيها، ولكى يستخدم هذا المخلوق عقله ويُعمِل فكره لا بد أن يكون حرا مخيرا؛ ولكى يختار لا بد من تنوع البدائل المطروحة، واختلاف احتياجاته، وتباين مطالبه؛ فلا بد إذن أن تكون الحياة متنوعة، ويكون كل واحد فى ذاته مختلفا عن الآخرين، ولأنه سبحانه يعلم أن الاختلاف بينهم سُنة نماءٍ ودافع تطور؛ فأذِن لذلك الاختلاف أن يوجد بينهم فى العقول والأفهام والمعارف، وفى التفسير والتأويل والاستقراء، وفى الأهداف والغايات والمقاصد، وفى العواطف والأمزجة والأهواء، وفى الأنشطة والخبرات والتجارب، وفى المصالح والمطالب والمنافع، "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ".
وأينما يوجد الاختلاف يوجد التدافع بين البشر، فدائما ما يكون السبب فى حدوث التدافع هو وجود الاختلاف، فهما سنتان من سنن الله متلازمتان، وحقيقتان بشريتان مقترنتان، ومن المعلوم أن سُنّة التدافع بين البشر ضرورية؛ لاستقامة الحياة وعِمارة الكون، فالتدافع بين البشر سبب نماء وارتقاء وتقدم، وهو وسيلة للسيطرة على استشراء الشر وانتشار الفتن؛ ولأن البشر يتدافعون لتحقيق مصالحهم؛ فإن ذلك يصب بالضرورة فى تطور الحياة كلها.
إن المشهور من أنواع التدافع هو التدافع بين الحق والباطل، فإذا سألت: لِمَ يفعل أهل الباطل ما يفعلون؟ ستكون الإجابة: لأنكم أنتم -أهل الحق- لا تفعلون، فتجرّءوا هم على فعل ما يفعلون، ولو فعلتم أنتم لسكنوا، وسكتوا، وسينظرون إليكم وينتظرون النتيجة، فإن الباطل مهما انتفش وتغول فإنه جبان، فلو تقدمتم خطوة لتقهقروا خطوات، وحينما يمتلك الحق ناصية الفعل يدفع الباطل إلى خانة الانتظار ورد الفعل، نعم.. إنكم يقينا تحبون الله، وصدقا تتمنون الخير للناس، وفعلا تريدون التغيير للأفضل، ولكن هل يكفى الحب لقيادة البشر؟ وهل تكفى الأمانى لسيادة الخير؟ وهل تكفى إرادة التغيير للتغيير؟ أم أن فعل التغيير هو الذى يقود إلى التغيير؟ وأن التضييق على الباطل؛ ومحاصرته فى أوكاره؛ ومحاسبة أهله هو الذى سيحجّم الباطل إلى أدنى مستوى وسيفشى الأمن وينشر الأمان؟
إن التدافع بين الحق والباطل يأخذ إحدى ثلاث صور؛ أولها: الصراع بين الحق والباطل، وثانيها: الصراع بين الحق والحق، وثالثها: الصراع بين الباطل والباطل، ولك أن تحكم أنت على ما يحدث فى شوارع مصر وميادينها، من أى نوع هو؟ هل هو مواجهة بين حق وحق؟ أم بين باطل وباطل؟ أم أنه صراع واضح جلى بين حق وباطل؟
إن الله سبحانه شاء أن يجعل الدنيا للبر والفاجر؛ فيتدافعون؛ ويتصارعون؛ فيدفع الله الشر بالخير، والباطل بالحق، هذا إن كان أهل الحق يأخذون بالأسباب كلها، ويبذلون الجهد كله، ويتوكلون على الله حق التوكل، أمّا إن ركنوا.. وكسلوا.. وسكتوا.. واستسلموا؛ فإن جولة الباطل ستكون قوية مرعبة، وستكون طائشة مخربة، أمّا إن استقوى أهل الحق بالله؛ وعلم الله أنهم خلت نفوسهم من حظ نفوسهم، وأنهم بذلوا كل ما لديهم من فكر ووقت وجهد ومال؛ فسيمكن لهم فى الأرض، ليتعبدوا الله بإدارتها ويعمروها وفق مراده سبحانه، أما إن استقوى أهل الباطل بأمريكا؛ ووجدوا مصر لقمة سائغة؛ فيفسدونها مرة أخرى، فإنهم فى العهد البائد "أَفْسَدُوهَا، وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ".
أما التدافع بين الحق والحق، فلا يكون فى الحق المطلق، وهو الله جل شأنه، ولا فى الحق المحكم، وهو ما نزل من الكتاب وصحيح الحديث، إنما يكون فقط فى الحق النسبى الذى يوجد فى الفروع التى لا يفسرها نص محكم أو فى محدثات الحياة، ويرجع الاختلاف فيه إلى إعمال العقل، أو طريقة التأويل، ويكون التدافع فيه بغرض الوصول إلى الحق والأحق منه، فمن اليسير على أهل الحق أن يتعاونوا فيما يتفقون عليه، ويعذر بعضهم بعضا فيما يختلفون فيه، فيصلون حتما إلى ما خفى عنهم من علم، وقد ضرب الإمام الشافعى المثل النقى لهذا النوع حينما، قال "رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب".
وأما التدافع بين الباطل والباطل، فالولوغ فيه مقزز، والخروج منه عسير؛ لأن الباطل متعدد ومتنوع؛ ولا يستطيع أهله أن يعذر بعضهم بعضا، وانظر إلى كل مَن تشعبت بهم الأهواء، وتحكمت بهم الأمزجة، وقادهم كبرهم، فلا يمكن لمثلهم أن يتفقوا بحال، فإن اتفقوا فلمصلحة سريعة، ولفترة قصيرة، ولمغنم كل يريده، أو لِجَاه كل يبغيه، أو لسلطان كل يرجوه، وهم يتماسكون جيدا خوفا من افتضاح أمرهم، وسيُفتضَح أمرهم فى النهاية حتما، فإن هذا النوع من التدافع يظهر بطلان الباطل، ففى النهاية دائما يتعارك اللصوص، ويتقاتل النشالون، ويتصارع الخاطفون، ويفضح بعضهم بعضا المنحرفون.
أما سُنة الابتلاء، فهى لازمة من لوازم الدنيا، وقرينة من قرائن الإيمان، وحقيقة من حقائق الإخلاص، وهى أيضا نتيجة من نتائج سنة التدافع، فبها يتمايز أهل الحق وأهل الباطل، فيبتلى الله تعالى أهل الحق بالتدافع مع أهل الباطل، للدفاع عن الدين.. والأرض.. والعرض.. والمال؛ ليحقوا الحق ويبطلوا الباطل، ويبتلى الله أهل الباطل، ولكن فى أنفسهم.. وفى سعادتهم.. وأبنائهم.. ونسائهم.. فلا يدافعون إلا عن جاه.. وسلطان.. وكبرياء.. وسؤدد، ويظلون كذلك؛ فلا يتذوقون طعم الحياة الحلوة.. ولا يحفظون وداد لحظة صفية، ولا يهنئون بطعم لقمة هنية.. ولا يستروحون طيب نسمة رخية.. ذلك بأنهم شاقوا أهل الحق، وشقّوا على الناس، فأشقوا أنفسهم.
وبذلك يكون الاختلاف سببا للتدافع، ويكون الابتلاء نتيجة للتدافع، والسنن الثلاث مترابطة، وكل منهم فى ذاته يدفع الحياة إلى الأفضل، ويؤجج السباق نحو الأكمل، ويصعد بالهمم نحو المعالى، ويخلص الحياة من أسنها، ويعدل مسارها، ويصحح أخطاءها، فسبحان من قدر الخير فيما يكرهه الناس، أو فيما يظنون أنه شر "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ"، وقد شاء أن يجعل ما نكره من الاختلاف والتدافع والابتلاء أسبابا للخير والتطور والنماء "وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.