التعامل بشكل عادى مع الأحداث غير العادية هو "هزل" وقت الجد، هذا ينطبق تماما على تعامل الثورة مع من قامت ضدهم بمنطق وقانون ما قبل الثورة، وهو ما نشهده بمحاكمة "المخلوع" وأعوانه وأنجاله على أنهم مواطنون عاديون ارتكبوا جرائم عادية، دون النظر إلى أنهم أفسدوا وطنا بأكمله و"جرّفوا" اقتصاده ودمروا معنويات شعبه وسحقوا كرامته. لم يحدث فى تاريخ الثورات أن خضع رموز عهد سابق لمحاكمات عادية بقانون هم صانعوه، وأتباع لهم فى الأمن والقضاء يديرون ملفات الاتهام والإحالة ويصدرون الأحكام، ولكن مصر وثورتها حالة خاصة غير مسبوقة، فأعوان الديكتاتور وأدوات بطشه يحصلون على أحكام بالبراءة، ثم يأتى دوره فيخلى سبيله فى قضية قتل المتظاهرين بسبب "تخطيه لمدة الحبس الاحتياطى القانونية"!. ولم يكن مستغربا بعد قرار إخلاء سبيل المخلوع أن تشتعل حرائق المزايدات السياسية على النظام والإخوان، إلى حد القول بأن هناك صفقة بين النظام القديم والنظام "الإخوانى"- على حد قولهم- للمماطلة فى التحقيقات وصولا إلى تبرئة القاتل وإدانة من قاموا بالثورة ضده"... و"إن إخلاء سبيل المخلوع ومن قبله قيادات ورموز النظام الفاسد هو استكمال لمسلسل البراءة للجميع بسيناريو وإخراج الإخوان"!. ولحق بهذه المزايدات السياسية موجة من التدليس الإعلامى الرخيص، فوجدنا من يقول: "لا يجوز أن تفقدنا النزاعات السياسية الانتقامية صوابنا، وتجعلنا نفترى ظلما على شيخ كهل (يقصد المخلوع) حارب من أجل مصر، ودافع عنها طوال عمره، وأعطاها كل ما لديه دون تحفظ". وهناك من قال: "إن مبارك يعتبر أسيرا مخطوفا... وإن فرحة الشعب المصرى خلال اليومين الماضيين برؤيته وإخلاء سبيله، أكبر بكثير من وقت صدور حكم بالسجن المؤبد عليه، وإن فرحة الشعب المصرى دليل على أن عهد مرسى أسوأ من عهد الرئيس السابق مبارك"!!. ماذا ينتظر الرئيس مرسى المنتخب من الشعب لتحقيق أهداف الثورة؟ ماذا ينتظر بعد ليتعامل بمنطق ثورى وفعل ثورى حقيقى مع هذا المشهد الممعن فى الهزل، ولكى يقطع ألسنة المزايدين ممن كانوا خدما للنظام السابق وأحذية فى أقدامه ويركبون الآن موجة الثورة ويدعون البطولة نكاية فى الإخوان والرئيس؟ إلى متى ستظل عصابة المخلوع وأذنابه هنا وهناك يتحكمون فى مصير الثورة ويعبثون بمستقبل الشعب؟ إلى متى سيظل فلول النظام البائد يتآمرون على الثورة؟ أليس من حق النائب السابق عصام سلطان بعد ذلك أن يدعو ل"انتفاضة" ردًا على إخلاء سبيل المخلوع؟ وهل ستنتصر الثورة فعلا، أم أن الشعب فى حاجة إلى موجة جديدة من التظاهرات تنتهى بتطهير القضاء وأجهزة الدولة "العميقة" وتوقف هذا المسلسل الهزلي؟ إن القول بأن المخلوع وعصابته انتهوا للأبد، ليس صحيحا على إطلاقه من وجهة نظرى، ما لم تتخذ إجراءات سريعة وقاطعة لقطع دابر هؤلاء بقوة القانون واستئصال أعوانهم ورجالهم من أجهزة الدولة، لأن بطء الإجراءات القضائية وانحرافها عن المسار الثورى كانا سببا فى إخلاء سبيل المخلوع ورجاله الذين أجرموا فى حق الشعب المصرى بكامله، وما زالت أيديهم ملوثة بدماء الشهداء. نحن إزاء حالة تمادى فيها الجهاز القضائى فى التلاعب وأمعن فى محاولات جر الثورة إلى الوراء والانقلاب عليها بما أصدره وما يصدره من أحكام "عبثية" منذ قيام الثورة وحتى الآن. وهذا العبث يحتاج إلى وقفة حاسمة وجادة من نظام الحكم القائم للتقييم والمراجعة واتخاذ قرارات عاجله من شأنها أن تصحح مسار الثورة وتحقق أهدافها فعلا، وليس من الحكمة أن تتأخر هذه القرارات، لأن كلفة التصحيح فيما بعد ستكون فادحة.