الأزهر خط دفاع عن هوية هذه الأمة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، ليس الأزهر ملكا لمصر ولكنه ملك للعالم المتحضر والمتعطش لمعرفة المزيد عن الإسلام الحنيف بوسطيته وحداثته وأصالته، الكل يرنو إليه بعين الاحترام ويتطلع إليه كقاطرة التجديد والتنوير، وليس كجزء من مؤسسة الحكم أو من العمل السياسى. الأزهر الجامعة التى تحولت من جامعة للعلوم الشرعية والدراسات الفقهية إلى جامعة علمية، كان الغرض منها المزج بين علوم الدنيا وعلوم الدين، فما حصل خريجوها على شىء منهما، فتخلف التعليم المدنى وتراجع التعليم الدينى، وباتت بعض مدارس ومعاهد الأزهر تخرج أجيالا بلا علم ولا دين. الأزهر كان أشبه بالمغناطيس الذى يجذب إليه القلوب والعقول من شتى بقاع الأرض أصبح طاردا لهم، والسبب هو أن البيروقراطية العقيمة جعلت منه مجرد مدرسة عادية لا رقيب فيها ولا حسيب. بالأمس كانت حادثة التسمم التى طالت مائتين أو يزيد من طلبة الأزهر، التى أظهرت صدق ما قلناه من أن البيروقراطية العقيمة تقتل الأفكار وتسمم الأبدان وتظهر مدى التسيب فى هذه الجامعة العريقة. الأزهر المؤسسة والجامعة، الفكرة والدعوة، التجديد والتنوير اختفى وحلت محله مؤسسة روتينية عقيمة، بعد أن فشلت فى دورها الدعوى والفكرى والتعليمى، والسبب من وجهة نظرى المتواضعة هو تسييس الأزهر. لو شغل شيخ الأزهر بالجامعة العلم والمعرفة وبتطوير الأزهر لكان لهذه المؤسسة شأن آخر، ولكنى أعتقد أن القائمين على الأزهر ليس لديهم الوقت الكافى للاهتمام بالطلبة والجامعة، فهم مشغولون بالسياسة والإعلام أكثر من أى شىء آخر. لو عرف هؤلاء قيمة المكان الذى يمثلونه ما ناموا من الليل إلا قليلا، ولما شاهدناهم إلا فى افتتاح فروع جديدة، أو تطوير مبان قديمة، أو عقد اتفاقيات مع الدول الإفريقية، أو لجلب تمويل لتطوير الأزهر بدلا من انشغالهما بالسياسة والسياسيين. وعتابى لشيخ الأزهر ولرئيس جامعته لا يعنى أن نغمض العين عن علماء الأزهر الذين تركوا أزهرهم وانشغلوا بشئون الدنيا ونسوا مهمتهم الكبرى فى الذود عن أكبر جامعة إسلامية فى العالم. عتابى هذا ممتد للشيخ الجليل يوسف القرضاوى وغيره من علماء الأزهر الكرام الذى يتعين عليه التحرك مع إخوانه ومع شيخ الأزهر من أجل رؤية جديدة لهذه الجامعة العريقة، رؤية شرعية وعلمية وفكرية وليست سياسية بطبيعة الحال. أشعر بأن تسمم الطلبة بالأمس إنما هو عرض لمرض اسمه تسمم الأزهر، وأدعو الجميع لإنقاذه.