ماذا يعنى أن تطالب بعض الصحف وعدد من الإعلاميين بعودة النظام البائد بطريق الطلب المباشر أو غير المباشر، بالتحريض تارة على النظام الحالى وبالإشادة أحيانا بمكتسبات النظام السابق؟ ماذا يعنى أن تقول صحيفة: إن مبارك كان يتوسط لدى قادة العرب لحل أزمات البترول وغيرها من المشاكل، إلا أن يكون هذا إشادة بينة بنظام ثار عليه الشعب وعزله إلى غير رجعة. ماذا يعنى أن تبادر بعض المواقع وكثير من الصحف وعديد من الفضائيات وكثير من الإعلاميين بانتقاء أى مشكلة واختيار أى أزمة عارضة لتسويد صفحات الواقع وغض الطرف عن أى مكتسبات قائمة؟ بل وصل الأمر بالبعض أن عرض تقلبات الجو وانعدام الرؤية فى بعض الأيام على أنها من سوء طالع النظام ومجمل ما يلام عليه ويؤاخذ به، بل دليلا على عجزه أمام التحديات. أما عن تسخير الأقلام وتسويد الصفحات فى قلب الحقائق ونشر الأكاذيب التى تحبذ النظام الفاسد ولا تمت للحقيقة بصلة أو تقترب من الواقع بمدخل، فحدث عنها ولا حرج وتكلم عنها على الإطلاق. المشكلة لا تكمن فقط فى الكذب الصريح والمخالفات البالغة للحقيقة والتجاوز الواضح للمصداقية، ولكنها فى الانحياز السافر لنظام فاسد ثبت فساده لكل عين مبصرة ولكل أذن واعية. والمشكلة أن نقابة الصحفيين أمام هذا كله تقف مكتوفة الأيدى مقيدة فى قراراتها متجمدة فى إجراءاتها غير عابئة بالأمر الذى يمس المهنة فى الصميم وينال من شرف الكلمة قبل أن ينال ممن يتربحون من هذه المخالفات. يا سادة، الحرية لا تعنى انعدام المسئولية، والخلاف فى الرأى لا ينبغى أن يصل إلى حد مخالفة الضمير ومجافاة الحقيقة والعبث بالثابت من شرف مهنة كريمة انتمى إليها من ليسوا أهلا لشرفها. والحرية لا تعنى تفريغ شحنة العداء والبغضاء فى الخصم بغض النظر عن حقيقة المعلومات أو صحة الأخبار أو التثبت من الأنباء بما يتنافى مع أوليات العمل المهنى، ناهيك عن أوليات الالتزام بأساسات الأخلاق ومبادئ النبل. والحرية لا تعنى الانقلاب على إرادة شعب ثار على نظام بائد فاسد يثبت فساده كل يوم على يد مجموعة ممن انتسبوا للإعلام على غير الحقيقة، وانتسبوا للسياسة على إرادة جماهيرية، رغبة منهم بالعودة أدراج الرياح إلى واقع فاسد يتشوقون له، ويحلمون بأيام أفاض فيها المفسدون عليهم كثيرا من أموال الشعب.