قبل نحو نصف قرن، وتحديدا عام 1964، تأسس معهد علوم وتكنولوجيا الطيران لتخريج فنيين صيانة الطائرات، وكانت الدراسة به لمدة 4 سنوات، وفى عام 1997 بدأ المعهد فى قبول طلاب الثانوية العامة للدراسة به لمدة 5 سنوات للحصول على شهادة البكالوريوس طبقا للائحة كلية الهندسة بجامعة القاهرة، لتصبح معادلة للشهادة التى تمنحها كليات الهندسة بالجامعات المصرية، ومنذ إنشائه يتبع المعهد وزارة النقل والمواصلات، لتبدأ مشكلته حين أصدر وزير التعليم العالى قرار رقم 925 لسنة 2000 الذى شتت المعهد ما بين بقاء تبعيته لوزارة النقل ولكن جعل الإشراف عليه لوزارة التعليم العالى، ثم انتقلت تبعيته فى تطور درامى جديد لوزارة الطيران المدنى عام 2003! ثم زاد الطين بلة بقرار رئيس الجمهورية رقم 140 لسنة 2009 بتحويل هيئة المعهد القومى للتدريب على أعمال الطيران المدنى إلى الأكاديمية المصرية لعلوم الطيران (شركة قابضة)، ما جعل المعهد مجهول الهوية والانتماء، وهذا التخبط فى تبعية المعهد جعل وزارة التعليم العالى تصنفه خارج نطاق القانون 49 لسنة 1962 الذى يطبق على الكليات والمعاهد العالية التابعة للوزارة، رغم أنها هى التى تشرف عليه، ليكون بذلك تحت مظلة القانون 52 لسنة 1970 فى شأن تنظيم المعاهد العليا الخاصة، رغم أن المعهد يتبع وزارة الطيران وتشرف عليه وزارة التعليم العالى، وبالتالى فهو ليس خاصا، وقد تم تدارك هذا التشتت بالقرار 496 لسنة 2011 بنقل التبعية والإشراف على المعهد لجهة واحدة هى وزارة التعليم العالى، وكان بدهيا فى هذه الحالة معاملة المعهد وفقا للقانون 49، ولكن الوزارة ظلت تعامله وفقا للقانون 52؛ أى باعتباره معهدا خاصا، مما أعطى لعميد المعهد (وهو لا يتبع أى جهة رسمية) صلاحيات المالك، تلك الصلاحيات التى أغرت بالتعنت مع الطلبة والموظفين والعاملين. وقد نتج عن هذا الوضع غير الطبيعى للمعهد العديد من المشكلات، من أهمها أنه رغم مرور 16 عاما على اعتبار شهادة المعهد معادلة لشهادات كليات الهندسة، ومن يدرسون فيه هم أساتذة كلية الهندسة بجامعة القاهرة ولائحة الكلية هى نفسها المطبقة فى المعهد، فقد تأخر حصول طلبة المعهد على معادلة لشهاداتهم طوال تلك السنوات حتى الآن، وميزانية المعهد غير منضبطة نظرا لهذا التخبط فى تبعيته، وما يتبع ذلك من زيادات غير مبررة فى الرسوم الدراسية من 12 ألف جنيه لتصل إلى 16 ألف جنيه سنويا، بزيادة نسبتها أكثر من 33 % دفعة واحدة، أى 80 ألف جنيه خلال سنوات الدراسة الخمس، يدفعها طلبة حاصلون على نسبة تزيد عن 90% فى الثانوية العامة، ولم يقابل الزيادة فى المصاريف أى تحسن فى الخدمات، مثل تلبية مطالب الطلاب بتوفير مكتبة متخصصة للبحث، ودعم مشاريع التخرج، لتتفاقم المشكلات الإدارية والمالية وتمتد إلى هيئة التدريس والموظفين والعاملين، وما تبعها من قرارات العميد بفصل العديد منهم، والأهم من ذلك كله مشكلة هوية المعهد باعتباره معهدا تابعا لإحدى وزارات الدولة وتحت إشرافها، وليس باعتباره معهدا خاصا، حيث يعامل خريجوه معاملة خريجى المعاهد الخاصة من جهة القوات المسلحة والشرطة حين تقدمهم لأكاديمية الضباط المتخصصين. واستمرار هذه المشكلات دون حل دفع الطلاب والمعيدين والأساتذة والموظفين والعاملين إلى الإضراب تارة، والاعتصام تارة أخرى، ورفعوا العديد من الشكاوى لوزير التعليم العالى مطالبين برقابة الوزارة على المعهد وتطويره، وتطبيق قرار معادلة شهادته، وتحويل مسماه إلى كلية نظرا لحصول خريجيه على (بكالوريوس) يعادل كلية الهندسة لمدة 5 سنوات، ليتسنى لخريجيه تيسير التحاقهم بالكليات العسكرية، حيث يعاملون معاملة خريجى المعاهد المتوسطة، وحتى لا تلوح لهم نقابة المهندسين كما يحدث حاليا بعدم تجديد منحهم عضوية النقابة. وهذه المشكلات الحقيقية التى يواجهها المعهد وتعود لسنوات مضت، تشكل مناخا مواتيا لبعض الحركات والتيارات لاستغلالها واستقطاب الطلبة لإشعال الموقف بالمظاهرات والاعتصامات والإضراب عن الطعام، وفى سعيه لاحتواء الموقف أحسن وزير التعليم العالى د. مصطفى مسعد بإصداره القرار رقم 640 لسنة 2013 بمخاطبة إدارة الفتوى بمجلس الدولة لإبداء الرأى القانونى فى المشكلات التى تواجه المعهد، ولكن الغريب فى القرار المذكور أنه صادر على المطلوب، وفرغه من مضمونه حين أوحى بأن هذه الإحالة شكلية، حيث جاء فى ديباجته أن رأى المستشار القانونى للوزارة أن مطالب الطلاب مستحيلة التنفيذ.. وما هكذا تورد الإبل يا دكتور مسعد!