"احتلال.. اغتصاب أراض.. عنف مسلح ضد عدسات وكاميرات.. من الزراعة إلى الفن ومن الهواية إلى الاحتراف.. أكثر من خمس سنوات تصوير و5 كاميرات محطمة.. وتعاون مشترك مثير للجدل" كانت الثمرة النهائية لكل هذا الفيلم الذى وصل إلى الترشح ضمن أفضل خمسة أفلام وثائقية للتنافس على جائزة الأوسكار فى الدورة الأخيرة وهو فيلم "5 كاميرات محطمة" لتكون سابقة تاريخية كتبت عنها صحيفة الجارديان البريطانية: "إن احتفالات الأوسكار تدخل التاريخ هذا العام مع أول ترشيح على الإطلاق لوثائقى فلسطينى لنيل الجائزة". الفيلم نتاج لكل هذه المفارقات والأحداث حيث بدأت قصة الفيلم قبل البدء فى تصويره حين اضطر عماد برناط -مصور وواحد من اثنين أخرجا الفيلم- إلى تغيير حرفته من الزراعة إلى التصوير نظرا لالتهام تخطيط بناء الجدار العازل أراضيه الزراعية. بدأ برناط التصوير بالكاميرا التى اشتراها خصيصا لتسجيل ولادة ابنه جبريل عام 2005 ويحكى برناط عن قصة فكرة الفيلم فيقول: "كنت هاويا فى البداية، وبدأت أصور كل ما هو حولى أصور عائلتى وأولادى وكل مرة يدخل فيها الجيش إلى البلدة فأصبحت مصور القرية وبدأت أعيش من الدخل الذى يوفره لى التصوير وبيع الصور لمحطات تليفزيونية مختلفة، وأصبحت هذه الكاميرا جزءا منى.. هذا الجزء أى الكاميرا -الذى كسر وضرب برصاص الجيش الإسرائيلى- أثمر فى نهاية المطاف عن فيلم خمس كاميرات مكسورة". ويشير العنوان التسويقى للفيلم إلى الكسر المتكرر لكاميرات المصور والذى يصبح الخيط السردى الذى يربط هو أجزاء الفيلم المختلفة حيث يتناول فيلم "خمس كاميرات محطمة" قصة قرية بلعين وتظاهراتها التى أصبحت تقليدا أسبوعيا، من خلال قصة عائلة برناط التى تعيش فى القرية، حيث باتت بلعين مثالا لأسلوب المقاومة الشعبية للجدار الفاصل الذى تبنيه إسرائيل فى الضفة الغربية والذى أدى إلى مصادرة أراضى القرية الفلسطينية لصالح مستوطنة "موديعين عيليت" القريبة منها. وفى عام 2009 قرر برناط عمل فيلم تسجيلى من مجموع 700 ساعة تصوير هى محصلة عمله وكاميراته الخمس المكسورة خلال خمس سنوات فتوجه إلى المخرج الإسرائيلى جاى دفيدى الذى تعرف عليه عام 2005 حيث كان من نشطاء السلام الذين يدعمون النضال السلمى للقرية، كما عاش فيها لأشهر ثلاثة لإنجاز فيلم خاص به حول المياه وتعاونا الاثنين فى إخراج الفيلم بعدما استقرا على أن يكون تناول الأحداث من خلال قصص الكاميرات المحطمة والمعايشة اليومية لعائلة برناط كأسرة مصور فلسطينى تعانى يوميا من طغيان الاحتلال. هذا التعاون الذى أثار دهشة الكثير ممن تابعوا الفيلم نقادا وجمهور فيقول الناقد السينمائى الفلسطينى عنان بركات فى أحد مقالاته عن الفيلم "حالة إنسانية مزدوجة الإحساس، كونى مشاهدا فعالا سينمائيا كاتبا وناقدا قبل كل شىء فالحق أقول إننى اكتشفت مشاعر وعقول إسرائيلية داخل المشاهد". وأضاف: الإسرائيلى يعيش فى حالة إنسانية مزدوجة الأحاسيس وينقلها للفلسطينى فى عدة وضعيات، أذكر منها الرغبة بالحديث عن صوت وصورة الفلسطينى، الإحساس البوست كولونيالى للإسرائيلى كوصى على الإنسان الفلسطينى، اليسارى الشاب الذى يعيش فى حالة اتخاذ موقف أخلاقى تجاه الفلسطينى والقتل، وإلى ما ذلك من أمثلة أخرى تثبت أن الإسرائيلى أثر على هذا العمل فلتكن نواياه مهما تكن، فالنتيجة "حالة إنسانية مزدوجة الإحساس". وردا على سؤال أحد من حضروا عرض الفيلم فى الولاياتالمتحدة ما إن كان هذا التعاون يمثل مشروع سلام قال جاى ديفدى المخرج الاسرائيلى: "لم نعمل معا لأننا نريد أن نبنى مشروع سلام، بل لأننا مقتنعان بهذه القضية والفكرة، فى البداية ترددتُ فى الانضمام للمشروع ولكن بعدما وافق عماد أن يكون الفيلم عنه هو وعن حياته، وبعدما شاهدت المادة اقتنعت بأنه لدينا مادة قوية وشخصية جداً لعماد". ورغم بعض الانتقادات التى تعرض لها الفيلم والمتعلقة بمدى حرفية برناط أو التساؤلات عن الشراكة المثيرة للجدل بينه وبين المخرج الإسرائيلى فقد نجح الفيلم فى توصيل جزء يسير من معاناة الفلسطينيين فى الضفة الغربية إلى الشعوب الغربية باعترافهم أن الفيلم قد نقل إليهم صورة لم يروها من قبل للشعب الفلسطينى ولكن جاءت المفارقة عندما استوقفت قوات الأمن الأمريكية عماد برناط فى مطار لوس أنجلوس والتى يقول عنها: عمليةَ احتجازى فى مطار لوس أنجلوس من قِبل أجهزةِ الهجرة الأمريكية والتدقيقِ فى أسبابِ زيارتى للولايات المتحدة، تُذكرنى بما نتعرضُ له فى الأراضى الفلسطينية عند عبورِ الحواجز التى تقيمُها إسرائيل !