دأب فاروق حسنى -الوزير الأسبق للثقافة- أن يفاخر بشكل دائم أنه استطاع إدخال المثقفين فى حظيرة وزارة الثقافة، ويذكر ذلك لسادته من حكام النظام البائد، مطمئنا إياهم بأن يأمنوا هذا الجانب ولا يلقوا له بالا على الإطلاق، فقد وفر لهم النذر اليسير مما يحلمون به وجعل وزارة الثقافة هى الملاذ الوحيد لهم والمنفذ الذى يمكن أن ترى فيه أعمالهم النور. وقد ارتضى المثقفون ذلك، بأن يقدموا أعمالهم دون النظر لمدى جودة صناعة هذه الأعمال أو مدى اتساقها مع رؤاهم، أو بشراء مشاريعهم الفنية والثقافية ووضعها فى الأدراج وطبع بعضها ومصادرته قبل نشره لتأكله الفئران فى المخازن بدلا من إنارة عقول المصريين. وعاش المثقفون المصريون ولا يزالون فى برجهم العاجى يقومون بصناعة مشاريع فيقدمونها لوزارة الثقافة التى لا تجد أى غضاضة فى إنتاجها، ولكن تضع وزارة الثقافة شرطا ضمنيا غير مكتوب بين المثقف والوزارة، بأن ما ينتجه ليس له علاقة بكيفية الدعاية والتسويق له، فلا يرى هذا المنتج إلا المثقف وأصدقاؤه من المثقفين، وربما جيرانه وأقاربه الذين يريدون رؤية ما يدور فى عالم المثقفين الذى يسمع عنه ولا يعرف ماذا يدور فيه. وكما فعل فاروق حسنى يفعل بعض قيادات وزارة الثقافة الآن، خاصة أولئك المنتمين لهذا العهد، والذين لم تتمكن ثورة 25 يناير حتى الآن من الإطاحة بهم لاحتمائهم بقوانين عقيمة وضعها النظام البائد، ولن تتمكن الثورة من إزالة هذه القيادات إلا بسلسلة من التشريعات الجديدة التى تمكن من مسائلة كل من يستخدم منصبه بشكل غير صحيح، أو ينحرف عن المسار الذى من أجله تولى المسئولية، وهو العبء الثقيل الملقى على كاهل مجلس النواب القادم. وبعد ثورة 25 يناير دأبت بعض هذه القيادات على محاولة تغيير جلودهم أو التحايل على المطالب من قبل المؤسسات التى يقبعون على رأسها بالإعلان عن بعض القرارات "التسكينية" حتى تتوقف مراحل التصعيد ضدهم. وأعلن الدكتور سامح مهران -رئيس أكاديمية الفنون من عهد المخلوع حسنى مبارك- بإقامة وحدات إنتاجية ذات طابع خاص لما تحويه الأكاديمية من إمكانات ضخمة من الممكن أن تدر دخلا كبيرا على العاملين بالأكاديمية، إحدى هذه الوحدات هى فرقة أكاديمية الفنون المسرحية، التى من المفترض أن يكون قوامها الأساسى طلبة وخريجى المعهد العالى للفنون المسرحية، الذين لم يتمكنوا من إخراج إبداعاتهم المسرحية للنور، وتقديمها مع فتح شباك تذاكر لتحقيق الغرض الأساسى الذى من أجله تم السماح بفتح مثل هذه الوحدة، وهى إيجاد مصدر دخل للأكاديمية، فى محاولة للاكتفاء الذاتى ورفع العبء عن الدولة. وتم الإعلان عن المكتب الفنى للفرقة ليديرها خريج الأكاديمية سامح بسيونى، الذى وجد فرصته كاملة فى الإخراج على مسرح الدولة ليقوم بتقديم مشروع لإخراجه مع زملائه، ليكون ترتيبه التالى بعد العرض الذى تم تقديمه فى الأيام السابقة على خشبة قاعة سيد درويش، وهو العرض المسرحى "حصريا"، الذى كتبه أحمد كشك وهيثم عياد، وأخرجه أحمد كشك، وشارك فى هذا العمل طلبة وخريجو المعهد العالى للفنون المسرحية. ولكن لم يحقق هذا العمل أى نسبة تذكر من نسب المشاهدة، لدرجة تقديمه للكراسى الفارغة إلا من بعض الأصدقاء والزملاء والمتابعين عن قرب للحركة المسرحية، مما ينبئ بعدم تحقيق أى ربح مادى على الإطلاق لهذا العمل، والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: لماذا تم تقديم هذا العرض؟ ولمن؟ وهل تم تقديمه حتى يتم إنتاج عرض مسرحى ضمن مئات العروض التى يتم إنتاجها وتظل حبيسة جدران مسارحها ولا تخاطب الشارع، أم يتم إنتاج العرض ليخاطب البسطاء من الناس، فى محاولة لتغيير المفاهيم لديهم، وتسليط الضوء على مناطق الخلل فيه لتصويبه وتقويمه؟ حاول مهندس الديكور أحمد عبد العزيز، تقليص حجم خشبة مسرح القاعة الذى لم يعد لتقديم العروض ذات العدد الصغير، فهى قاعة فى الأساس مصممة لتكون خاصة بالعروض الأوبرالية أو الأوركسترالية وعروض الباليه، فقام بوضع بانوهات على طرفى الخشبة، ووضع برتكابل فى وسط المسرح لتكون تلك هى حدود الخشبة الجديدة، مع وضع سقف معلق أيضا لتقليص تلك المساحة الكبرى لاستيعاب عدد الممثلين السبعة الذين يقومون بأداء الأدوار.