اتّسم عام 2012 بشكل خاص بغموض اقتصادى حاد خيّم على العديد من الدول فى العالم، ومن المتوقع أن تكمل معظمها فى هذا السياق خلال العام الجارى، بحسب تقرير "ديلويت" عن حالة الاقتصاد العالمى الصادر مؤخرا للفصل الأول من عام 2013. ويهتم التقرير بالاقتصاديات العالمية الكبرى وآفاقها للعام المقبل، وانتهى التقرير لعدد من الحقائق، أهمها: أنه ما زالت الأزمة المالية فى أوروبا تدعو للشك بإمكانية صمود اليورو، مما يولّد حالة من عدم اليقين تلقى بظلالها على الأداء الاقتصادى الحقيقى للعام 2013. كما قد تكون الولاياتالمتحدة دخلت بالفعل بحالة من الركود، وتتجه كل من الصين والهند واليابان نحو حالة من عدم الاستقرار الاقتصادى، وهى تسعى جاهدة للتوصّل أو الحفاظ على النموّ الاقتصادى. ويبدأ التقرير بتقييم لمنطقة اليورو، حيث تبقى حالة عدم الاستقرار سائدة، إلا أن المخاوف حول مستقبل العملة المشتركة تفتح الطريق أمام مخاوف على الاقتصاد بحدّ ذاته، والتى قد تلقى بأوزارها على آفاق النمو فى السنة المقبلة. ورغم التوقعات بعدم تبدد المخاطر بالكامل، إلاّ أن إعلان المصرف المركزى الأوروبى ضمان وجود اليورو شكّل تغييرا فى قواعد اللعبة، الأمر الذى زرع شعورا بالثقة بين المستثمرين. وقد أظهرت مثلا نتائج دراسة ديلويت حول آراء المدراء الماليين التنفيذيين فى ألمانيا أن الشكوك الأساسية حول مستقبل اليورو بدأت تتراجع. ومن بين عوامل الخطر الثلاثة الأساسية التى ذكرها المدراء الماليون التنفيذيون الألمانيون، ورد التراجع فى الطلب المحلى والأجنبى الذى أتى مباشرة بعد خطر عدم الاستقرار فى النظام المالى. أمّا المخاطر الأخرى فتأتّت من أزمة اليورو والمخاوف المتزايدة من الركود، وبالتالى فهى تشكّل مزيجا متنوّعا من أسباب عدم الاستقرار. وفى حين يشكّل فى العادة عدم اليقين بالنسبة لأداء الاقتصاد عاملا أساسيا يؤثر باطراد على بيئة الشركات، فإنّ ارتفاع عدم اليقين عن معدلات عادية يسبب ضررا فى الاقتصاد الكلى والجزئى. وهذه هى الحال الآن -بحسب التقرير- حيث تشكل نسب عدم اليقين المرتفعة العائق الأساسى الذى يرهق كاهل النمو الاقتصادى فى أوروبا وغيرها من الدول وفقا لما يراه خبراء صندوق النقد الدولى؛ إذ تعتبر أوضاع الركود المرتبطة بالغموض أكثر حدة من حالات الركود العادية، وهى تؤثر بشكل أكثر عمقا وتستمر أكثر، وتصل الخسائر المتكبّدة من جرائها إلى ضعفى الخسائر الناتجة من حالات ركود أخرى. ويشير د.كارل ستايدتمان -الخبير الاقتصادى الرئيس فى مركز ديلويت للأبحاث- إلى أن الولاياتالمتحدة تشهد بالفعل حالة من الركود، على غرار أوروبا، وهو يستعرض فى تقرير ديلويت أسباب الركود الموجبة لتوقّع ناتج محلى سلبى قد يدفع الولاياتالمتحدة إلى حالة الركود فى أوائل العام 2013. ووفقا ل"ستايدتمان"، سيتمحور التحدى الأساسى مع بداية العام 2013 حول المرحلة التالية فى مفاوضات السياسة المالية فى الولاياتالمتحدة، وخصوصا مسألة رفع سقف الديون. لكن، وبغض النظر عما يحصل فى مسألة 'الهاوية المالية"، فإنّ الولاياتالمتحدة تعيش حالة ركود فعلى. وستحدد نتيجة ما سيتأتى من المفاوضات حول الموازنة ما إذا كانت ستشهد ركودا طفيفا أو ما هو أخطر من ذلك. يشير تقرير ديلويت إلى أن الصين على مشارف مسار أكثر إيجابية، حيث إن نموّها الاقتصادى يتسارع بعد أن تباطأ لمعظم فترات العام 2012. ويشير التحسّن فى الصادرات، والإنتاج الصناعى، ونمو المبيعات بالتجزئة، وانحسار التضخم فى الأسعار الاستهلاكية؛ إلى أن الصين تسير فى الواقع على السكة الصحيحة. إلاّ أن البلاد ستضطر إلى مواجهة صعوبات ملحوظة، بما فى ذلك انخفاض معدلات الاستثمار الأجنبى المباشرة، والانتقال فى القيادة السياسية، والحاجة المستمرة للبلاد للابتعاد عن النمو المتأتى من التصدير لصالح نظرائها المستهلكين، وكلها نقاط تثير أسئلة حول قدرة الصين على الحفاظ على مسارها. تحديات هندية ويشير التقرير إلى أن عام 2012 لم ينته بنفس جرعة التفاؤل التى كانت موجودة قبل عام، الأمر الذى يرجع لعرقلة صادرات البلاد بفعل الركود فى أوروبا، والانخفاض فى مبيعات السيارات، والتراجع فى الإنفاقات الحكومية، والسياسة المالية المندفعة التى لم تعوّض الضغوط التضخمية الهائلة على البلاد، بالإضافة إلى القيمة العالية للدين الذى ما زال يؤثّر على القدرة التنافسية للصادرات اليابانية. ويختتم التقرير بإشارة أكثر إيجابية تتعلق بتحسن مستوى النمو فى الهند فى الربعين الثانى والثالث من العام الجارى، بعد أن اختبر فترة من التراجع، إلا أن وضع الهند يرزح تحت عدد من التحديات الاقتصادية ومن بينها تزايد العجز الضريبى، وانخفاض الاستثمارات، وارتفاع التضخم، ومعدّلات الفوائد العالية.