جرت العادة يا أيها السادة أنه وحين يشتد غضب الناس بعد أن يصيبهم مسّ من الجن أو من الوسواس الخناس، أن يهتف فيهم واحد ممن عرف عنه الإخلاص: "صلوا على رسول الله". فسرعان ما تهدأ النفوس ويفر من المجلس إبليس، وتعود الجوارح إلى سابق عهدها، وتؤوب القلوب إلى ربها بعد قولها اللهم صلِّ عليه وسلم تسليما. يعجز المرء عن فهم سر الحب المتبادل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمصريين على وجه الخصوص رغم أن أحدا منهم لم يعاصره، ولم ينزل النبى صلى الله عليه وسلم ببلدةٍ من بلاد مصر، ولم تشرف به بحارها، ولم يشرب صلى الله عليه وسلم من نيلها، ورغم ذلك حيّا على البعد جندها ومدح أهلها واستوصى بقبطها. هذه العلاقة الشريفة والحب المتبادل بين نبى مرسل وشعب عظيم له دلالة كبيرة، ونحن نتحدث عن ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، فالمصريون ربما من بين شعوب الأرض القلائل من يقيم ذكراه ويحتفى بها على طريقته الخاصة، تشعر مع هذه الاحتفالات بالبساطة وبالمودة، وكأنما بينهم وبين النبى صلى الله عليه وسلم نسب. يربط المصريون بين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمور عديدة، فتراهم يعدون الصلاة على النبى نوعا من التهدئة وطلبا للسكون وبحثا عن الصفاء، وهذا أمر عجيب فعلا، فلو ذهبت إلى القرى والريف لسمعت القوم ينشدون الصلح بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، وكأنه صلى الله عليه وسلم البلسم للجروح، والدواء من كل داء، صلى الله عليه وسلم. ويربط المصريون بين العمرة وزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقبره فى الروضة الشريفة، حتى حينما يدعو بعضهم لبعض بالعمرة فإنه يقول "ربنا يوعدك بزيارة النبى عليه الصلاة والسلام"، وهذا اختزال لمناسك العمرة ولكنه غير مقصود؛ وإنما المقصود هو التعبير عن حب المصريين لهذا النبى العظيم صلى الله عليه وسلم. والشعراء والمداحون كانوا يبتدئون أشعارهم ومديحهم بالبسملة ثم الصلاة والسلام على خير الأنام محمد، وكثير من الرواة وشعراء الربابة والمطربين الشعبيين كانوا يختمون كما بدءوا بالصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم. هذا الحب المتبادل هو ما جعلنا المصريين -من وجهة نظرى- أشد حبا واحتراما وتقديرا لآل بيت النبى صلى الله عليه وسلم دون تطرف أو مغالاة... صلوا على رسول الله. ------------------ د. حمزة زوبع [email protected]